سلام مكي
سن قانون جديد للانتخابات، وتقديم موعدها، أحد أبرز مطالب المتظاهرين الذين خرجوا في تشرين الماضي، لإيمانهم بأن لا طريق للتغيير سوى إجراء انتخابات مبكرة، تستند إلى قانون انتخابات جديد، يختلف عن القوانين السابقة التي أسهمت إلى حد كبير في تكريس الوجود السياسي للكتل الحالية. فالقانون الذي يخدم الكتل الكبيرة، والتي تمتلك نفوذا وسطوة داخل أوساط المجتمع، هي المستفيدة من نظام سانت ليغو وغيره من الأنظمة التي تهدم فكرة المساواة بين المرشحين، عبر سماحه بنقل الأصوات من مرشح إلى آخر، وجعل التصويت والفوز يتم عبر آليات معقدة وربما غير مفهومة للكثيرين، مما يولد حالة من النفور لدى الناخب وحتى المرشح، تمنعه من الترشح للانتخابات، والمساهمة فيها بأي شكل من الأشكال. التعديل الأخير للقانون الجديد، كرّس الفردية وجعل الحصول على أعلى الأصوات هو المعيار الأوحد للفوز بالانتخابات، بعيدا عن الكتل والقوائم وأفضل الخاسرين وأعلى الأصوات داخل القائمة.. وهذا أمر يرى كثيرون أنه يخدم فرصة التغيير، ويسهم في تفكيك بنية الكتل والأحزاب التي تراهن على النفوذ المعنوي والتمدد المذهبي والحزبي داخل أوساط المجتمع. لكن ثمة ما هو أهم من كل ما سلف: الوعي السياسي، بوصفه سلاحا قويا وفعّالا، يمكن من خلاله امتلاك تغيير جذري وحقيقي داخل العملية السياسية، بعيدا عن أي تدخلات حزبية أو سياسية، ولا يمكن لأي جهة ما، أن تتدخل وتمنع أحدا من التعبير عن رأيه. الوعي السياسي، أمر فردي، داخلي، خاص بالمرشح والناخب في آن واحد.. الناخب، وبعد مرور عدة دورات انتخابية لا بد أنه امتلك وعيا كافيا، يمكن من خلاله أن يميز بين الصالح والطالح. فكل الأحزاب والكتل والشخصيات، قد أسهمت في العملية السياسية، واستطاع هذا الناخب أن يميز ويفرز من يمكنه أن يخدمه وبين من يسعى لخدمة نفسه! فالناخب الحقيقي، لا بد ان يدرك أن جميع المسميات والشعارات، والتعكز على الماضي أو الأمس القريب، دون العمل الجاد والبناء الحقيقي للدولة، لا يمكنه أن يخلق دولة قادرة على تلبية متطلبات المواطن والوطن. فما يخدم المواطن هو الرغبة الحقيقية في العمل والبناء وامتلاك الخبرة الكافية والرغبة الجادة في التغيير، وهو ما يفترض بالنخب والقيادات التي تحمل مشروعا حقيقيا للتغير أن تطرحه أمام الناخب. ولا بد لهذا الناخب أن يكف عن انتخاب أي حزب او كتلة أو شخص ثبت عدم قدرته على تلبية حاجات الأفراد والمواطنين والوطن.. أما لو استمر الناخبون في تصوراتهم وآرائهم السابقة، وتقديم الشعارات والجوانب المعنوية على الجوانب الأخرى، فلا تغيير
أبدا.