هيبة الدولة.. هيبة الإنسان!

آراء 2021/02/13
...

 عبدالامير المجر 
 
 
من بين ما قرأناه في التاريخ القريب، ما حصل مع رئيس وزراء العراق ووزير الخارجية في العهد الملكي الدكتور فاضل الجمالي .. ففي العام 1954 كان الجمالي يهم بدخول مبنى الامم المتحدة مع الوفد المرافق له، ووجد الزعيم التونسي بورقيبة الذي يقود الحزب الدستوري، اثناء فترة النضال لإنهاء الانتداب الفرنسي، واقفا عند الباب يهم بالدخول ليشرح قضية بلاده امام العالم، لكن الحراس يمنعونه من الدخول، كونه لايحمل صفة رسمية، فقام الجمالي بخدعة الحرس من خلال اعطائه (باج) احد اعضاء الوفد العراقي ودخل بورقيبة الذي تحدث عن قضية شعبه بعد ان قدمه الجمالي للوفود اثناء كلمة العراق .. تغير الوضع في العراق العام 1958 واقتيد الجمالي الى محكمة المهداوي وحكم عليه بالإعدام لكن لم ينفذ الحكم وافرج عنه في العام 1961 وغادر الى سويسرا، لكن تونس استقلت بعد ثلاث سنوات على تلك الواقعة اي في العام 1957 وبات بورقيبة رئيسا لها،  فاراد ان يرد الدين الوطني والشخصي للجمالي وموقفه المشرّف، فدعاه الى تونس ليعيش هناك، وامر بصرف راتب شهري له، لكن الجمالي رفض ذلك وطلب ان يعمل ليتسلم راتبا لقاء عمله، فامر بورقيبة بتعيينه استاذا لفلسفة التربية في جامعة تونس.
الدرس المستخلص من هذه الواقعة القريبة، يتصل بمسألة السيادة، او هكذا تسمى مع الدول، وتسمى مع الاشخاص الكرامة .. المؤكد ان سيادة اية دولة لا تتحقق من دون حكومة تحميها وتفرض الأمن والقانون بين ابناء شعبها، وفي عراق ما بعد 3003 صار مفهوم الامن مرتبطا بما يتوفر للناس من أمان شخصي او مناطقي من دون ستراتيجية حقيقية لأمن وطني شامل، وصارت كمية هذا الأمان تستحصل بطرق بدائية وجهود تكافلية داخل المناطق، لاسيما في الاعوام الاولى بعد الاحتلال، على امل ان تستعيد الدولة مؤسساتها، لكن هذا الواقع الهش بات فرصة للبعض كي يكون بديلا للدولة لنجد انفسنا امام مسميات عديدة بعناوين امنية مختلفة، تعلن عن حمايتها الوطن والمواطن! ومع استمرار هذه الحال لنحو عقدين، تكرس مفهوم اللادولة وشاعت ثقافة الهبات الأمنية التي تمنحها الجماعات المناطقية  للناس! بينما لدى الشعب ثروة بشرية ومادية، قادر من خلالها على بناء مؤسسة عسكرية وامنية تكفيه ذلة التسول الأمني الذي يعامل به بغياب الدولة ومؤسساتها ..