د.عبد الواحد مشعل
ارتبط مفهوم العولمة الثقافية بالتغيرات الثقافية في المجتمعات المختلفة حتى تمت صياغة هذا التعريف على وفق عالمية الثقافة المفترضة، وطرحت فرضية الانتقال من الثقافات المجتمعية المحلية إلى عولمة الثقافة؟ ولو رجعنا قليلا إلى الخلف لكشفنا عن صيحات الحداثة وما بعد الحداثة الآتية إلينا من البناء الأوروبي الصناعي الثقافي، إذ تداخلت عنوة بثقافات تقليدية حول العالم بحكم الحاجة إلى هذا الانجاز التكنولوجي الذي لم يسبق للبشرية تحقيق مثله خلال التاريخ، وانبثاق نخب عرفت بالمتنورين المتأثرين بالنمط الثقافي الأوروبي ما خلق صراعا بين الجديد والقديم، فظهر ما عرف بالدولة الوطنية الحديثة ذات الحدود الجغرافية المعترف بها دوليا. مع ترك مناطق نزاع بين هذه الدول سرعان ما تحولت الى بؤر مستديمة للصراع منذ مطلع القرن العشرين حتى المرحلة الحالية، مع انبثاق ايديولوجيات وطنية (محلية) وأخرى قومية وثالثة أممية من دون قدرة هذه الدول على صياغة نظرية أو أيديولوجية مجتمعية أصيلة تقود عملية تحديث يكون للسكان المحليين فعل مؤثر فيها، حتى برزت رؤية عولمية قبيل الألفية الثالثة، فكانت رؤية فرانسيس فوكاياما ترنو إلى نظام عالمي جديد يضم بين جناحيه كل تلك الثقافات، مرورا بتنبؤات صومائيل عن صِدام الحضارات أو الثقافات على وفق فرضيات - اغلبها ذات طابع سياسي- لا مجال للخوض فيها الان. والسؤال الذي يبرز في هذا السياق، هل خلقت العولمة الثقافية المفترضة تقاربا بين الثقافات الإنسانية في زمن تسعى فيه تلك القوى الفاعلة عالميا إلى تحقيق نظام ثقافي عالمي على وفق فلسفتها، أم أن الأمر أصبح مسلماً به؟، وإذا كان الأمر كذلك، فأين نحن من كل ذلك؟.
والمجتمعات النامية ومنها مجتمعنا تواجه اليوم تغيرات ثقافية كبيرة سواء على صعيد الفرد والأسرة أم على صعيد النظام القيمي العام، ومسألة مواجهة هذا التحدي لا يمكن أن يكون إلا ببناء معرفة علمية قادرة على تطوير مجتمعنا، وتحويله إلى مجتمع منتج يسهم في تقدم الإنسانية، ويندمج مع التحولات الثقافية الجارية في عالم اليوم من خلال عملية تكيف مع بناء قيمي جديد لا يخرج عن أصول قيمنا حتى يتم فهم المقبل إلينا من عناصر ثقافية، ومن ثم تطويعها لصالح ثقافتنا، وليس مجرد مستقبل لها، يؤثر سلبا في أصولنا الثقافية وبهذا نكون أقرب إلى الواقع الذي يفيدنا أكثر ما يضرنا، وهذا لا يأتي إلا من خلال شعورنا بالمسؤولية الأخلاقية اتجاه أجيلنا المقبلة.