القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
الأصل في بناء المجتمع المتماسك هو بناء الأسرة التي تعد اللبنة الاساسية في بناء المجتمع القوي والرصين، فاذا صلحت الاسرة صلح المجتمع، والاسرة هي مجموعة من الاشخاص الطبيعيين وتشمل الزوج والزوجة وابناءهم واحفادهم او ابناء احد الزوجين من زواج آخر ووالدي أي من الزوجين والاخوة والاخوات لكلا الزوجين، ولم يعرف المشرع العراقي الاسرة تعريفا صريحا في التشريعات العراقية بالرغم من ان المشرع العراقي قد نص في المادة (29) من الدستور العراقي بان الاسرة اساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والاخلاقية والوطنية وتكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم وتمنع كل أشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع، وجرائم العنف الاسري هي الاعتداء الجسدي او الجنسي او النفسي او الفكري او الاقتصادي الذي يرتكب او يهدد بارتكابه ضد أي فرد من افراد الاسرة ضد الاخر، وتتعدد جرائم العنف الاسري الى جنح مثل التهديد والسب والشتم والضرب والمشاجرات الأسرية، ومنها ما يكون جسيما مثل الضرب الذي يؤدي الى عاهة مستديمة او الضرب المفضي الى الوفاة، وكذلك الجرائم الجنسية و جرائم التعذيب والحرق، ولغرض حماية الاسرة والمجتمع من اثار العنف الاسري فقد اصدر مجلس القضاء الاعلى البيان رقم (9) في 10/1/2021 المتضمن تشكيل محكمة متخصصة بالنظر في قضايا العنف الاسري، ومحكمة جنح للنظر في قضايا العنف الاسري، فضلا عن اعمالها يكون مقرها في مركز كل منطقة استئنافية وذلك استنادا لأحكام المادة (35/ ثانيا) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979، والمادة (3 / تاسعا) من قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 45 لسنة 2017.
وان تشكيل هذه المحكمة يساعد على مكافحة جرائم العنف الاسري ومعاقبة مرتكبيها ووضع آلية المساعدة للضحايا الذين تقع عليهم جريمة العنف الاسري، وان محكمة التحقيق المختصة بالتحقيق في جرائم العنف الاسري تطبق القوانين النافذة التي منها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وقانون رعاية الاحداث رقم 76 لسنة 1983، إذ إن المشرع العراقي لم يصدر قانونا للحماية من العنف الاسري وان التحقيق في جرائم العنف الاسري يتطلب الاخذ بنظر الاعتبار طبيعة العلاقات الزوجية والأسرية وخصوصا اذا كانت الشكوى مقدمة من قبل الزوجة بحق زوجها، الامر الذي يتطلب اجراءات قانونية تتناسب مع واقع الحياة الاسرية، ومن جانب آخر فإن هناك نوعا من الجرائم تتطلب الردع القانوني وخصوصا جرائم عقوق الوالدين وحالات اعتداء الابناء على الاباء، الامر الذي يتطلب الحزم، وان تشكيل محكمة العنف الاسري لم يقتصر على محكمة التحقيق وانما استحدث مجلس القضاء الاعلى محكمة جنح متخصصة لإجراء المحاكمات للمتهمين من مرتكبي جرائم العنف الاسري، وان الغرض من تشكيل محاكم العنف الاسري هو المحافظة على العلاقات والروابط الاجتماعية وحماية الاسرة والطفل من العنف، وان جرائم العنف الاسري يتم التحقيق فيها من قبل مديرية حماية الاسرة والطفل في وزارة الداخلية لطبيعة هذه الجرائم وضرورة الحفاظ على الاسرار الأسرية، وان تشكيل محكمة تحقيق مختصة بجرائم العنف الاسري يسهل على متابعة الاجراءات القانونية ومتابعتها والمحافظة على كيان الاسرة العراقية من التفكك، لاسيما أن العلاقات الاسرية اساسها المودة والألفة والانسجام.