علي حسن الفواز
صناعة الحرب لا تشبه صناعة السلام حتما، فللحرب خياراتها ورهاناتها، وللسلام ضروراته واستحقاقاته، لكن هناك من يريد أن يخلط الأوراق، لتكون الحرب جزءا من نظرته لمفهوم السلام، أي السلام القائم على فكرة اخضاع الآخرين والسيطرة عليهم، عبر استعراض القوة، أو عبر فرض ايديولوجيا المنتصر، وهذا ما يبدو واضحا في منطقتنا العربية، حيث تتحول الحرب الى لعبة في التعاطي مع الحاجة الى السلام، وكأن اسقاط الآخرين واخضاعهم لارادة المنتصر، هو الخيار الوحيد، والرهان على حيازة القوة الفائقة.
المنطقة العربية ومنذ عقود لم تصح على السلام الحقيقي، فحروبها مستمرة، وثنائية المنتصر والمهزوم هي الغالبة في التوصيف، وفي ترسيم حدود عمل السياسة والاقتصاد والامن، والعلاقة مع ما يسمى بـ «المجتمع الدولي» وهي تسمية «سائلة» وغامضة، وليست بعيدة عن وظائفية المنتصر الذي يريد فرضه ذلك المجتمع الافتراضي.
جبهات الجغرافيا مفتوحة، وهي بلاشك جبهات عسكرية وأمنية واقتصادية وايديولوجية، وأن تداعيات حروبها تنعكس على الواقع، وعلى ادارة ملفات السياسة والسلم الأهلي، وحتى على ملفات التنمية والعدل والحقوق والديمقراطية، إذ صنعت تلك الحروب المستمرة واقعا من الصعب الركون الى عقلانيته، والى علاقة شروطه مع صناعة الأمن العمومي للمجتمعات، على مستوى ايجاد بيئات آمنة، ونظم سياسية عادلة، أو على مستوى ربط المنطقة بقيم الحداثة والتنوير والعولمة، وتخليص العقل العربي من أزماته القديمة، التي تحدث عنها فلاسفة ومؤرخون وباحثون مثل محمد عابد الجابري وجورج طرابيشي وعبد الله العروي وهاني ادريس
وغيرهم.
ما حدث في «الربيع العربي» وما بدا واضحا بعد بروز عصابات داعش الارهابية، هو تأكيد لوجود الأزمة، ولطبيعة الأخطار التي تهدد المنطقة، فالاجيال الجديدة تتطلع الى الحرية والمستقبل والدولة العادلة، لكن القوى العميقة، تُعيد النظر بصياغة مفهومي الحرب والسلام، ليتحولا الى واجهات لصراع اجتماعي وثقافي مفتوح، له لبوس سياسية وطائفية، مثلما له مصالح ترتبط بأجندات كبرى، تعمل على تأزيم المنطقة بالارهاب والعنف، وتعطيل ارادة التنمية والتغيير فيها، فضلا عن جعلها تحت عين الرقابة دائما، مسكونة بالخوف والرعب، ومشغولة بأزماتها الداخلية، وحروبها الصغيرة، وخاضعة لـ» قياس» ما تفرضه القوى الكبرى، والتي تعمل دائما على فرض ثنائية الحرب والسلام على الجغرافيات الرخوة، والتي تشكّل منطقتنا واحدة
منها.