فريد الأطرش.. منطـقــة متفردة فـــي الموسيقى العربيَّة

الصفحة الاخيرة 2021/02/15
...

بغداد: قاسم موزان 

لا شك أن النجوم يتسلقون سلالم المجد والشهرة والانتشار بخطوات بطيئة وطرق شائكة، لا تخلو من المصاعب وكذلك المنافسة، الا فريد الاطرش الذي تسلق قمة النجاح بصوته المتميز بتركيبات موسيقية، ابتكرها لنفسه لإطلاعه المبكر على أصول الطرب العربي وبث من روحه بانسيابية شفيفة تذوقها محبوه بانتشاء، ما اصاب منافسيه بالذهول والانبهار بما قدمه من تكوينات لحنية، تركت بصماتها على مجمل اعماله، وبقي متربعا على قمة التفرد، حتى رحيله في العام 1974 وهو في ذروة عطائه.

 
ولد فريد الاطرش في العام 1917 في جبل الدروز في سوريا من اسرة عريقة وعاش في مصر، حين كانت تزخر بأساطين الغناء والطرب وعاصر الكثير من الملحنين والمطربين وكتاب الاغنية المعروفين مثل احمد رامي وبيرم التونسي والأخطل الصغير وكامل الشناوي، وغنى لهم ألوان الغناء العربي، العاطفي والوجداني والثوري، ما جعل الساحة الغنائية ثرية تتسع آفاقها الذوقية للمتلقي من التخت الشرقي الى افاق ارحب، فضلا عن تفرده بالغناء والتلحين، فهو عازف عود من طراز خاص، طبع بصمته وروحيته في العزف على الكثير من العازفين 
والموسيقيين.
 تلقى فريد الاطرش صدمة عنيفة بوفاة شقيقته وتوأم روحه المطربة اسمهان في ظروف غامضة لم يكشف النقاب عنها، واحاط بالحادث الكثير من التقولات والمرويات والاتهامات على الوفاة، على ان حادثا مدبرا لسطوع نجم اسمهان اثار الاندهاش من جمال صوتها، هذا الحادث المؤلم ترك اثره في حياته وفي موسيقاه والحانه التي حملت أحزانه وآلامه ربما لغاية رحيله. 
لحن فريد الاطرش جميع اغانيه على مدى مسيرته الابداعية والموسيقية باستثناء ثلاث او أربع اغان للملحن مدحت عاصم مثل اغنية " من يوم ماحبك فؤادي " و"  بورسعيد"  و" كرهت حبك " ولحن اوبريتات افلامه مثل بساط الريح والربيع ومالكش حق وغيرها الكثير، كما  لم يبخل فريد الاطرش بالحانه لمطربين ومطربات مثل اسمهان وصباح ومها صبري وشادية وثريا حلمي ونور الهدى، كما وضع الحان رقصات نجمات شهيرات، امثال سامية جمال وليلى الجزائرية وتحية كاريوكا. لا شك ان الغصة الاكبر في نفسه انه لم تتح له فرصة تلحين اغانٍ لام كلثوم لاسباب غير خافية على احد، ولو انها تدخل في التخمينات على اكثر تقدير، بالرغم انه قدم اغاني اليها ورفضتها، لكونها لا تتواءم معها كذلك لم يستطع تقديم الحان للراحل عبد الحليم حافظ كأن هناك حربا فنية  خفية مورست بحقه؟
جسد الاطرش بطولة أحد وثلاثين فيلما سينمائيا منذ فيلمه الاول "انتصار الشباب" مع شقيقته اسمهان 1941 الى شريط الاخير " نغم في حياتي" مع ميرفت امين 1975، لعل براعة المخرجين انذاك قد اسهموا في اخراج الفنان الكبير من دائرة الحزن الكثيف، الذي يلف حياته بعد وفاة شقيقته حين اسندوا اليه ادوارا تقترب من الكوميديا الخفيفة، كما في فيلم "عفريته هانم"  لبركات الذي اخرج معظم افلامه و"انت حبيبي"  ليوسف شاهين، وتعال سلم للمخرج حلمي رفلة وغيرهم الذين وجدوا فيه طاقة تمثيلية عالية، اذا ما تم تحفيز مكنوناته الكامنة في داخله بدراية وعلمية ونجحوا في ذلك . 
حظيت مسيرة الاطرش باهتمام الكتاب والنقاد بوصفه الموسيقي والمطرب الذي رافق ذائقة عشاق فنه الاصيل طيلة اربعين سنة وهذا امر نادر الحدوث، الا مع بعض الاسماء الفنية  الكبيرة، وكتب عنه الكاتب عبد الله احمد  عبد الله  ما نصه " تبين ان اوروبا تعرف أغانيه وموسيقاه وتعرفها فرق موسيقية في النوادي الليلية في فرنسا واسبانيا وايطاليا والنمسا.. اكتشفنا ايضا ان موسيقيا فرنسيا كبيرا اسمه فرانك جورسيل، قد تخصص في توزيع موسيقى فريد الاطرش اوكستراليا عالميا يطوعها لآلات العزف الاوروبية.