المصارف الحكومية وعقدة الروتين

آراء 2021/02/15
...

 أحمد حسين
 
 
نعود مجدداً للقرارات المتسرعة غير المدروسة، ويبدو أننا سنعود إليها لاحقاً ولاحقاً، إذ يبدو أن من يقترحون مثل هذه الآراء لا يفكرون سوى في مكسبها السياسي من دون النظر إلى أنها تحل جزءا من مشكلة ما، لكنها في الوقت نفسه تخلق مشكلة أكبر.
في ما يتعلق بالنوايا «الطيبة» للحكومة بخصوص حل إحدى الأزمات المتفاقمة التي يعاني منها المواطن ألا وهي أزمة السكن، قرر مجلس الوزراء أواخر العام الماضي إطلاق قروض السكن عموماً بكل أنواعها وتحديداً ما يتعلق بمشاريع المجمعات السكنية مثل مجمع بسماية وغيره، ووجه المصارف الحكومية والأهلية بتخفيض الدفعة الأولى (المقدمة) إلى 10 % بعد أن كانت تتراوح 25 % إلى 40 % تقريباً، وكذلك تخفيض الفائدة المصرفية إلى النصف وأن تكون تناقصية وليست ثابتة كما هو معمول به، فاستبشر العراقيون خيراً وانبعث أمل خلاص المستأجر من نير المؤجر، وطال انتظار صدور التعليمات ما يقارب الثلاثة الأشهر، وأخيراً وصل «سلحفاة الروتين» بالتعليمات الجديدة، وهنا كانت الصدمة.
المصارف الحكومية لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء إلا بما ينفعها منه، إذ خفضت الدفعة الأولى فقط ولم تخفض الفائدة المصرفية ولا جعلتها تناقصية مما رفع من نسبة أرباحها إلى 100 %، أي أن قيمة الفائدة تساوي مبلغ القرض الذي منحه المصرف للمواطن، لست ابتدع ولا أتجنى إنها عملية حسابية يا سادة وفي كل هاتف نقال حاسبة إلكترونية وبإمكانكم التأكد مما أقول، هذا الجشع بل الابتزاز لا نجده في مصارف أشد الأنظمة الرأسمالية توحشاً فأعلى نسبة فائدة مصرفية تفرضها المصارف الأوروبية والأميركية والآسيوية سواء كانت حكومية أو اهلية لا تصل إلى 40 % من قيمة القرض الذي تمنحه.
وبغض النظر عن هذه الفائدة الابتزازية، من حقي أن أتساءل عن مصدر صناعة القرار في بلادنا، هل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية أم أننا في بلد كل مؤسسة فيه صانعة لقرارها ومن ثم ما هو مصير المواطن الذي يريد أن يكون طائعاً لسلطة القانون والدستور، لماذا تدفعنا مؤسسات الدولة عنوة للتمرد على الدولة نفسها وما يمثلها؟.
حين تعلن المصارف الحكومية تمردها على الحكومة فمن حقي كمواطن في هذه الدولة أن أعرف من الذي يحكم، ما أعرفه أنه بعد العام 2005 أصبح الدستور العراقي الجديد هو الحاكم، وهذا الحاكم الآمر الناهي يقول لنا إن مجلس النواب هو السلطة التشريعية العليا، والحكومة هي السلطة التنفيذية العليا، ومجلس القضاء هو السلطة القضائية العليا، ولم يرد في الدستور أن البنك المركزي والمصارف صاحبة سلطة عليا تتجاوز السلطات الثلاث، فهل استجد شيء في دستورنا أم ماذا، حقيقة نريد أن نفهم من الذي يحكم بلادنا؟.