هل أن ايران وأميركا بحاجة لاتفاق جديد؟

آراء 2021/02/16
...

 محمد صالح صدقيان 

دخل الملف الايراني مرحلة جديدة بعد دخول الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن للبيت الابيض وسط تباين واضح في وجهات النظر، بين أطراف اقليمية ودولية متعددة بشأن العودة للاتفاق النووي، الذي توصلت اليه المجموعة السداسية الغربية مع ايران او الذهاب، باتجاه تعديل هذا الاتفاق بما يناسب التطورات الدولية . 

نتذكر؛ ان ايران رفضت شروط الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب لرفع العقوبات مقابل الغاء او تعديل الاتفاق النووي؛ ودفعت في ذلك ضريبة 700 حظر فرض عليها في المجالات الاقتصادية والسياسية . ومن المستبعد التصور قبولها بعد اربع سنوات عجاف مرت بها وهي تعيش في ظل ضغوط في مستواها الاقصى . 
الان طهران تشعر بارتياح اكثر وتتكلم بصوت مرتفع بعد سقوط ترامب لتوصل رسائلها للادراة الأميركية الجديدة بانها غير مستعجلة لعودة الجانب الاميركي لطاولة 5 + 1 ولا تقبل المساس بهذا الاتفاق وتعديل شروطه وتدعو جميع الاطراف، بما في ذلك الجانب الاميركي العودة اليه مع الالتزام بقانون مجلس الامن الدولي 2231 ورفع جميع انواع الحظر الذي فرض في عهد الادارة الاميركية السابقة . 
للوهلة الاولى يبدو ان كل طرف يطالب الجانب الاخر اولا بتنفيذ التزاماته، الأميركي يطالب ايران بالعودة عن خطوات التصعيد في برنامجها النووي، بينما يطالب الايراني واشنطن برفع الحظر وازالة العقوبات اولا ؛ لكن في حقيقة الامر ان المشكلة اعقد من ذلك بكثير ؛ والجانبان يعنيان ما يقولان، انهما يتحدثان عن مرحلة ما بعد ذلك، واشنطن لا تريد العودة للطاولة ما لم تطمئن لموقف طهران في بحث القضايا الاقليمية وفي المقدمة منها « النفوذ في المنطقة » والمنظومة الصاروخية الايرانية ؛ بينما تريد طهران ضمان رفع العقوبات وفق القرار 2231 « بشكل عملي » كما قال المرشد الايراني الاعلى قبل فتح باب المفاوضات مع الدول الغربية بشأن اي من الملفات الاخرى . 
هذا التدافع التفاوضي الذي شهدناه خلال الاسابيع الماضية يعكس بشكل واضح حالة عدم الثقة التي تلوح في اجواء المفاوضات بين طهران وواشنطن، لعبة لا تريد طهران أن تخسر اكثر مما خسرته منذ العام 2015 ، بينما تريد واشنطن أن تحدد آلية العودة لحل المشكلة الايرانية، ايمانا منها ان هذه المشكلة هي مفتاح الحل لبقية الملفات المعقدة والشائكة في منطقة الشرق الاوسط . 
وضع معقد ومتشابك للجانبين دعاهما السماح للمساعي الدبلوماسية، التي تبذلها اكثر من جهة اقليمية ودولية . قطرية ؛ عمانية ؛ روسية واوربية . يبدو لي ان الجانب الاوروبي هو الاكثر حظا في هذه المساعي، باعتباره الطرف العضو في المجموعة السداسية ؛ لكن ايران لم تغلق الباب امام اي طرف يرغب في تقريب وجهات النظر، اعتقادا منها أنها تملك الدليل « وهم اهل الدليل » الذي يستطيع ان يشكل ضغطا دوليا على الجانب الاميركي .
ليس من المعلوم حتى الان هل تمكنت الادارة الاميركية من وضع تصور واضح لآلية التعاطي مع الملف الايراني، بعد ما دعا الرئيس بايدن الى تشكيل لجنة خاصة لوضع تصور لآلية التعاطي مع الملف الايراني، حيث انيطت مهمة رئاسة اللجنة الى مسؤول الملف الايراني في الخارجية الاميركية روبرت مالي ؛ كما ليس من المعلوم نتيجة دراسة هذه اللجنة، هل انها تريد ان تفتح الموضوع مع الرئاسة الايرانية الحالية ؟ ام انها تفضل التعاطي مع الرئاسة الجديدة بعد انتخابات يونيو حزيران القادم ؟ ولكل من هذه الاستحقاقات معطياتها الخاصة. 
اميل للتفسير الذي يقول ان الاجواء الاقليمية والدولية اختلفت الان عما كانت قبل العام 2015 ولذلك فان كلا الجانبين الايراني والاميركي مدعوان لتقييم سياساتهما بما ينسجم مع الواقع الراهن .
منسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل يبذل جهود خلف الكواليس للتوصل الى تصور يساعد جميع الاطراف لاحياء الاتفاق النووي والعمل على فتح باب المفاوضات لكن ذلك يصددم – كما نقل دبلوماسي أوروبي – بعقبة عدم استكمال الرئيس بايدن لتشكيلته الحكومية وهي مرحلة حساسة له في الداخل، الأميركي، لأنها مرتبطة بتعاطيه مع اعضاء الكونغرس حتى وان كان الديمقراطيون يشكلون الاغلبية في هذا المجلس، أزيد على ذلك ان الحكومة الايرانية تنتظر من الجانب الاميركي اعطاء امتيازات لطمئنة الداخل الايراني في وجود فعل جديد، قد تحقق على الأرض ولذلك تصر طهران على رؤية افعال، من دون أقوال بعد انسحابه من الاتفاق وفرض العقوبات . 
يجب ألا يغيب عن بالنا إصرار طهران على استحقاق 20 شباط وهو ايقاف العمل بالبروتوكول الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي، اذا لم تلتزم اطراف الاتفاق النووي ببنوده، وهذا يعني تحديد عمل المفتشين في ايران .
في ظل هذه الاجواء؛ يبدو لي ان التطورات الاقليمية والدولية تضغط بقوة على واشنطن وطهران للحوار ليس بشأن إحياء الاتفاق النووي وانما لحوارات اكثر شمولية .