عبد الحليم الرهيمي
ممثل البنك الدولي في العراق السيد رمزي نعمان أعلن في الثاني من شهر شباط – فبراير الحالي عن قيام البنك بمبادرة لاسترداد الاموال العراقية المنهوبة والمهربة الى الخارج، وذلك بالتنسيق مع عدد من الدول والجهات المعنية.
ربما كان هذا الاعلان مفاجأة غير سارة بل ومخيفه للكثيرين من سياسي الطبقة المتنفذة والحاكمة والذين يستشعرون من هذا التوجه أنه سيطالهم ويسترجع منهم ما سرقوا من اموال لإعادتها الى خزينة الدولة العراقية.
أما الرأي العام الوطني العراقي ومعظم وسائل الاعلام والسياسيون والوطنيون فقد رحبوا بذلك وهم يأملون خيرا من هذه المبادرة من البنك الدولي التي سبقها ورافقها صدور مواقف ايجابية داعمة للعراق من صندوق النقد الدولي تؤكد استعداده لدعم ومساندة العراق في حل مشاكله الاقتصادية والمالية، وهو ما يشير الى توفر امكانية حقيقية لاسترداد الجزء الاعظم او الجزء المهم، أقله، من الاموال المهربة، وكذلك امكانية تحقيق تقدم في الاصلاح الاقتصادي والمالي للعراق اذا ما قامت الحكومة العراقية والجهات المعنية بدور نشيط وفعال في دعم الاهتمام الدولي والاستجابة لمبادرته والمطالبة بانجاح المشاريع الداعمة للعراق، عبر الكف والتخلي عن الاساليب التسويفية واحتواء اي جهود دولية او وطنية مخلصة بنحرها واجهاضها بمختلف السبل.
إن ما يدعونا لقول ذلك، هما العرقلة والتماهل المتعمدان من القوى المستفيدة من إبقاء مسألة الاموال المهربة والفساد على ما هي عليه. فخلال الدورتين البرلمانيتين طرحت هذه القضايا للإنجاز لكن سرعان ما أجهضت وعطلت، وكتأكيد على ذلك اعلان عضو لجنة النزاهة البرلمانية مثنى محمد امين لـ (الصباح) في الاول من اذار من العام الماضي بالقول (تابعت اللجنة البرلمانية السابقة هذا الملف وصدر فيه قانون وعقدت اجتماعات بين اللجان المعنية لكن لم يحدث اي تطور)!!
وبالطبع فإن مواقف العديد من القوى المتضررة تؤكد هذا الواقع بتصريحاتها المتكررة التي تقول إن هناك مصاعب وعرقلات قانونية وتنفيذية واجرائية تجعل من الصعب ان لم يكن من المستحيل إنجاز هذه القضية؟!
وفي مقابل ذلك ابدى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة خلال الايام الماضية اهتماما ملحوظا بهذه القضية المهمة ليس فقط بسبب الازمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها العراق انما ايضا لأن الاموال التي سرقها الفاسدون وهربوها الى الخارج هي اموال الشعب العراقي ومن حقوقه التي لا ينازعه عليها احد، هذا فضلا عن كونها تعبيرا صارخا عن المس بـ (السيادة الوطنية الحقيقية).
ولانعدام الاحصائات الدقيقة تتباين التصريحات بشأن مقدار الاموال المسروقة والمهربة، والتي تتراوح مابين 350 و 500 مليار دولار، في حين يذكر رئيس هيئة النزاهة الاسبق القاضي رحيم العكيلي أنها تقدر بنحو 600 مليار دولار هرب منها نحو 90 % للخارج.
وفضلا عن ذلك فإن مليارات الدولارات والممتلكات العراقية المسجلة بأسماء اركان النظام السابق والتي كشف عن وجود اكثر من 25 مليار دولار تعود لصدام شخصياً وهو الامر الذي اعترفت به صحيفة (موسكوفسكي كموسومولست) التي نشرت ذلك في عددها الصادر شهر ايلول – ابريل 2013، وأعادت نشره صحيفة الاخبار البغدادية في 2992013.. هذا فضلا عن عشرات العقارات ومزارع الشاي والرز التي تقدر بمساحات شاسعة في سيلان واندنوسيا وتايلند.. وغيرها التي حول ملكية بعضها بالتزوير لآخرين بينما ما زالت الملكيات الاخرى مجمدة من دون ان يتابع وضعها واستردادها اي من الحكومات المتعاقبة بعد 2003.
وخلافاً لمزاعم الفاسدين ومهربي الاموال الى الخارج بوجود مصاعب وعرقلات قانونية وفنية لاستردادها، فإن الواقع يدحض ذلك، إذ يوجد قرار من مجلس الامن يعزز تسهيل امكانية الكشف عن الحسابات البنكية السرية في البنوك السويسرية.
إن الاهتمام الدولي ومبادرة البنك الدولي لاسترداد الاموال المنهوبة تتطلبان ملاقاة هذا الاهتمام ودعمه ومساندته عراقياً عبر تفعيل اللجان المشكلة وتعزيز فريق الاسترداد الذي شكل العام الماضي، للتحرك وتكليف مؤسسات قانونية دولية بأجور لتساعد هذا الفريق وتلك اللجان في اعمالهم، وتقع على هيئات النزاهة والقضاء والحكومة ووزارة الخارجية المتابعة الجادة والوطنية المهمة لهذه القضية الحساسة التي تتعلق باسترجاع واعادة الحقوق المالية المنهوبة للعراق وللشعب العراقي.