د. ماجد فاضل الزبون
شكّل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ظاهرة إعلامية غريبة وغير مسبوقة تستحق الدراسة والتحليل، فهو من بين أكثر رؤساء دول العالم ظهورا في الإعلام وبذات الوقت فهو الأكثر عداء لها، فقد وصلت تصريحاته وتغريداته وكمعدل عام الى اثنتي عشرة تغريدة يوميا حسب بيانات واحصائيات أعلنتها مصادر الرصد الاعلامي، وبالمقابل فهو الأكثر استخداما للمفردات الهابطة في وصفه لوسائل الإعلام، فهي بنظره سيئة ومزيفة ومضللة ومخادعة ولعينة وكاذبة ومثيرة للعنف وعدوة للشعب الأميركي،
أما الصحفيون فهم لصوص ووقحون وكذابون، وأن خصمه الحقيقي ليس الحزب الديمقراطي بل هي وسائل
الإعلام.
رجل الأعمال هذا ابتلى العالم بصعوده رئيسا لأكبر دولة، فقراراته وأفعاله لم يسبق لأحد أن اتخذها من قبل، إذ جعل الربح والخسارة في مقدمة أجندة سياساته الدولية، فقوض علاقاته الاقتصادية مع الصين وروسيا واختلف مع أصدقائه وحلفائه الأوربيين في الكثير من القضايا واعترف بسيادة الكيان الغاصب على القدس والجولان وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وأرغم دولا عربية للتطبيع مع العدو المحتل وفرض الحصار على عدد من الدول وبنى جدارا مع جارته المكسيك بطول ألف وستمئة كيلو متر وبكلفة تقديرية بلغت ثمانية مليارات دولار، وحظر السفر من الدول ذات الأغلبية المسلمة الى بلاده، وشجع على الكراهية بين البيض والسود داخل المجتمع الأميركي، وانسحب من عدة اتفاقيات دولية مهمة والقائمة
تطول.
عداء ترامب للإعلام بدأ منذ اليوم لرئاسته في كانون الثاني عام 2017 إثر مقاطعته لحفل عشاء مراسلي البيت الأبيض وهو تقليد عريق اعتادت عليه الحكومات الأميركية، ليكون أول رئيس لا يحضر الحفل منذ ستة وثلاثين عاما.
ومن المفارقات الأخرى لهذا الرئيس المتقلب أنه وبعد شهرين من توليه المنصب اعترف بأن وسائل الإعلام وتحديدا موقع «تويتر» كان وراء وصوله الى الرئاسة، لكنه سرعان ما اتهمه هو ومواقع أخرى بالانحياز والوقوف ضده.! ترامب وخصومته مع الإعلام تصاعدت وبالتوازي مع تزايد ضحايا ومصابي فيروس كورونا في بلاده التي تصدرت أرقامها المهولة عناوين وسائل الإعلام الأميركية، فاعتبرها إساءة مقصودة لإدارته التي فشلت حقا في احتواء المرض، والمثير هنا أنه شخصيا أصيب بالفيروس الذي سبق وأن وصفه بالمؤامرة الإعلامية المزيفة لإثارة الرعب في المجتمع الأميركي.!
عاش هذا الرئيس سنواته الأربع الماضية في حلم وردي لم يصحُ منه إلا بعد هزيمته في الانتخابات ليخرج مرغما وبمستقبل مجهول وعزلة تامة، فهو محظور كسياسي من معظم وسائل الإعلام وقد يفصل من حزبه، أما كلاعب غولف فقد تمت مقاطعته أيضا من جمعية لاعبي الغولف المحترفين والنادي الملكي، كونه أكثر اللاعبين احتيالا في اللعبة، فطالما كان يستبدل الكرة خلال اللعب بأخرى ويغير نقاط اللاعبين المسجلة، حتى أن أحدهم قال: لو أن تايغر وودز وهو أشهر لاعب غولف في العالم لعب أمامه لخسر بسبب أساليب الغش والخداع التي يعتمدها
ترامب. أصاب ترامب الجميع بالصداع طيلة حكمه، وها هو يصاب بالوجع بعد رحيله فتاج الملك لا يقيه من الصداع كما يقال، رحل ولا يعرف أين سيقضي بقية عمره فقد أوصدت كل الأبواب أمامه تلاحقه الفضيحة والمحاكمة وربما السجن، أنهى عهده بطلاء جدران البيت البيضاوي باللون الأحمر في مجزرة راح ضحيتها خمسة قتلى وعشرات الاصابات، ولم يبق أي اهتمام له سوى تناول حبات الباراسيتامول.
اكاديمي عراقي