السياسة وستراتيجية المراجعة

آراء 2021/02/17
...

 علي حسن الفواز
 
من الصعب فصل وقائع السياسة عن التاريخ، وعن الواقع ذاته، إذ كثيرا ما تتحول هذه السياسة الى خيار قهري لكتابة التاريخ، والى خطوط ساخنة لحروب شتى، وكأن ثنائية السياسة والحرب هي المدار الذي يفرض نفسه على أغلب الصراعات في المنطقة، لكن أن تتحول هذه الثنائية الى لعبة في الرعب، وفي «حرق المراكب» فإن الأمر يتجاوز حدود المعقول، ليضع الجميع أمام خيارات أكثر تعقيدا، وأمام سياسات غير مسؤولة، تفتح الباب لتدخلات قوى دولية واقليمية من جانب، مثلما تربط الأشياء بشكل مريب بارادات تلك القوى من جانب آخر.
من هنا فإن سياسة خلط الاوراق باتت هي الممارسة الأخطر في هذه المواجهة، وفي تعطيل أية مبادرة لايجاد حلول عقلانية لأزمات تضخمت، ولم تعد تحظ  بالاهتمام الدولي، وحتى بالدعم الذي كانت يراهن عليه هذا الطرف أوذاك. فما يجري في سوريا في اليمن وفي ليبيا يؤكد خطورة هذا المعطى، ويكشف عن خفايا، وعن خنادق وسياسات ترتبط بالجماعات الارهابية، وبتوجهات غير مسؤولة تتبناها دول معينة، وبخدمات من الصعب توصيفها في سياق التعاطي مع خارطة التشكّلات السياسية في منطقة الشرق الاوسط، لاسيما أن الولايات المتحدة في رئاستها الجديدة سعت الى تجاوز رهانات الرئيس السابق دونالد ترامب على ادامة لعبة الحرائق، ووضعت بديلا عنها خطط عمل تقوم على هيكلة تلك الصراعات الرثة، وايقاف دعم حروبها العبثية، وباتجاه ايجاد لغة دبلوماسية أكثر نفعا للمتصارعين، ولتوجهات السياسات الناعمة للولايات المتحدة.
إن اعادة النظر بتلك الصراعات يعني تحوّلا ستراتيجيا في طبيعتها، وفي اسبابها، وحتى في ما يمكن أن تؤول اليه نتائجها، والتي تعني اساسا صناعة مزيد من فرط القوة، حيث تتغوّل تلك الصراعات، وتفتح الباب على أزمات انسانية كبيرة، فمظاهر النازحين والفقر والجوع والامراض اضحت مصدر ضغط انساني على المنظمات الدولية، وكذلك مشكلة استخدام الاسلحة المُحرّمة دوليا، فضلا عن الذهاب الى صناعة جغرافيا للأزمات، والى تنافس من الصعب السيطرة عليه في سباق التسلّح، وربما التسلّح النووي، وأحسب أن مراجعة بايدن للسياسة الاميركية السابقة ستقترن بمراجعة برغماتية السياسة والحرب وحتى التاريخ، لايجاد فرص قد تكون مناسبة لحوارات أكثر تمثيلا للعقلانية وللبحث عن سلام حقيقي لا رائحة للحرب فيه.