د. كريم شغيدل
فشلت محاولات بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني في العام 2000، لزيارة مدينة أور مسقط رأس النبي إبراهيم(ع)، وكانت من ضمن جولة شرق أوسطية تشمل العراق ومصر وإسرائيل، لم تتحقق تلك الزيارة المأمولة لأسباب لا نريد الخوض فيها، فقد شكلت آنذاك بارقة أمل في عزِّ تفاقم أزمات العراق، على الرغم من أن النظام السابق لم يكن ثمة أمل يرتجى منه، لكن زيارة البابا كان لها بعد رمزي، وكأنها إشارة لفتح الحصار أو تغيير النظام، ذلك أنه الممثل الروحي لكل مسيحيي العالم، وله كلمته على مستوى مختلف الدول.
البابا فرنسيس يعد العدة الآن لزيارة العراق، في مطلع آذار المقبل، ولا تخلو هذه الزيارة من بعد رمزي أيضاً، فلدى العالم تصور أن البابا أينما يحل يحل السلام، ونحن أحوج ما نكون للسلام، فالعراق من دول الشرق التي يشكل فيها المسيحيون وجوداً تاريخياً عريقاً وأصيلاً، وقد تعرض هذا المكون على أيدي الدواعش، إلى أبشع حملات الإبادة والتهجير، علماً أن موجة الهجرة الجماعية الأولى للأخوة المسيحيين بدأت في أواخر ستينيات القرن المنصرم، تلتها موجة التسعينيات على أيام الحصار الاقتصادي، بسبب سياسات النظام الدكتاتوري المباد، ثم موجات التهجير والهجرة منذ 2003 حتى اليوم، وزيارة البابا تعد رسالة اطمئنان، لا إلى من تبقى من مسيحيي العراق فحسب، وإنما للمهاجرين ممن يتحرقون حنيناً إلى وطنهم الأم.
برنامج الزيارة على قصرها، سيكون حافلاً، إذ يشمل زيارة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني في النجف الأشرف، ومدينة أور مهد أبي الأنبياء، ونينوى موطن المسيحيين وجغرافية الإبادة، ولكل مكان رمزيته التاريخية والثقافية، وأعتقد أنها ستكون حقاً زيارة استثنائية، لعلها تشكل منطلقاً للسلام في العراق والمنطقة، فهي رسالة تعبر عن الأهمية التاريخية والثقافية والروحية والاستراتيجية للعراق، وقد تفتح باب السياحة الدينية لمدينة أور، إذا ما أحسن المسؤولون انتهاز هذه الفرصة، وقد تكون لها آثار اقتصادية وسياسية وثقافية لصالح العراق، وستعيد العراق إلى الواجهة في المحافل والأوساط الدولية ولدى سكان الأرض أجمع، فهل هناك خطة لاستثمار هذه الزيارة التاريخية؟ مثلما تستثمر الدول المتحضرة أحداثاً أقل أهمية
منها؟