المعرفة والانتقال الحضاري في عالم جديد

آراء 2021/02/24
...

  د.عبد الواحد مشعل

لا يمكن الحديث عن عملية انتقال سريعة الى الحداثة إلا بتوفر آليات ذلك، وفي مقدمتها التطور المعرفي الرصين وتوفر الإرادة السياسية العازمة على 
ذلك.
وإذا كانت مفاتيح الحداثة بيد الغرب الصناعي، فإن التفاعل معه يعد ضرورة لا بدّ منها، ولكن ليس نقلا إنما بتفاعل وتحريك العوامل الإبداعية المحلية الكامنة في مجتمعنا المعاصر، وتوظيفها في عملية الانتقال الحضاري على وفق سياق ثقافي، لا يخرج عن ثوابت وأصالة مجتمعنا، الذي تمتد جذوره الى عمق التاريخ، مع إمكانية تحديث الوسائل اللازمة، لذلك فلا يمكن تحقيق انتقال حقيقي الى عصر الحداثة والإسهام بها إلا بتحديث سلوكنا الثقافي، نافضين عنه كل مظاهر الأمية والفقر والتخلف المعرقلة للتنمية، والعمل على تطوير بناءات ثقافية واجتماعية وإخراجها من محليتها لتحقيق تثاقف حضاري يراعي ثوابتنا وبلغة علمية تحفظ لمجتمعنا هويته الحضارية،  مستفيدة من  الانجاز التكنولوجي في المجتمعات المتقدمة.
وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا فهمنا مسائل أساسية تحيط بنا، سواء على المستوى الإقليمي أم الدولي، فعلى المستوى الإقليمي هناك بؤر صراع على المصالح ينبغي الابتعاد عنها، وعلى الصعيد الدولي تتبلور اليوم مرحلة قطبين أساسين في العالم، هما الصين وروسيا مقابل أميركا وأوروبا وبالأخص بريطانيا، لذا ينبغي على المخطط السياسي والتنموي العراقي أن يضع في اعتباره، عندما يريد التفكير بعملية انتقال حضاري حقيقي، معرفة كيفية الاستفادة من المعرفة المتوفرة عالميا، من دون أن يكون تابعا لأي منهما، وكيفية بناء مجتمع مدني تعددي بعلاقات إقليمية ودولية متوازنة، كما يتطلب من الدولة تسخير الإمكانيات البشرية والمادية وتوظيفها في خطة تنموية قائمة على ستراتيجيات في جوانب عدة، لإحداث تحول مفصلي في بنية المجتمع، حتى يكون قادرا على تحقيق تفاعل معرفي وتقني مع انجازات الإنسان المتقدم في الشرق والغرب، من اجل نهضة حضارية صناعية ترسم ملامح دولة قوية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، بطريقة تحفظ للمجتمع هيبته، وتضع الإنسان العراقي في الصدارة، ليعيش مرحلة من الاستقرار والرفاهية، تحترم فيه إرادته وتصان كرامته ،بعيدا عن مظاهر التطرف أو العنصرية  في ظل مجتمع تتعددي يتخطى المحليات الضيقة  متحركا في سياق ثقافي وطني، يجمع الكل في إطار قانوني يتساوى فيه الجميع، بعدّهم مواطنين من الدرجة الأولى مع رفض أي درجة ادني، بل وستبقى أولى صفتها عنوانا لكل انسان من أقصى العراق الى أقصاه.