اياد مهدي عباس
إنَّ ارتفاع حالات الانتحار والعنف الأسري وبحسب الاحصائيات الرسمية الصادرة، عن مؤسسات حكومية وغير حكومية يجعلنا أمام سؤال مهم مفاده كيف، ولماذا تنامت حالات الانتحار في العراق بشكل واضح حتى أصبحت ظاهرة مألوفة؟ بحيث لا يكاد يمر علينا اسبوع إلا ويطرق أسماعنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي او عبر القنوات الرسمية الحكومية وغير الحكومية خبر انتحار فتاة هنا او صورة مأساوية لشاب منتحر او لأسرة مقتولة هناك.
الاجابة عن هذا السؤال ليس بالامر السهل في ظل غياب ملحوظ للدور الحكومي المسؤول المباشر عن هذا الملف وعدم الجدية في التعاطي مع هكذا ظاهرة خطيرة تهدد أمن وحياة المواطن العراقي.
ففي عام 2020 كانت هنالك اكثر من 375 حالة انتحار في العراق لم نسمع او نقرأ عن دراسة قام بها مركز أبحاث عراقي أو جهة حكومية، للوقوف عند أسباب هذه الظاهرة وتشخيص الدوافع التي تجعل الانسان ان يتخلى عن اغلى ما يملك وهي نفسه وأهله، ثم يقدم على حرق نفسه او جميع افراد أسرته بمشهد تراجيدي غاية في الوحشية والقسوة.
إن الحديث عن أسباب الانتحار متشعب وطويل في ظل استمرار تكالب الازمات والعوز والامراض، مع غياب شبه تام للدور الحكومي في توفير فرص العمل للشباب والتقليل من الضغوط المادية والاقتصادية، وكذلك الإهمال المتعمد للجوانب النفسية، وتفاقم المشكلات الأسريَّة والعنف الأسري مع تدنٍ في مستوى النهج الانساني في التعامل، كل ذلك كان حافزا كافيا لتنامي هذه الظاهرة الخطيرة .
قد لا يقتنع الكثير بهذه الأسباب ولا يجد فيها مبررا للانتحار وقتل الانسان لنفسه او قتله لأطفاله وزوجته.
لكن ضمن قاعدة الفروق الفردية والتباين في القدرة على التحمل والاستطاعة بين الناس تبرز شريحة لاتستطيع تحمل وطأة هذه العوامل والظروف الصعبة، ما يجعلها في صراع نفسي عنيف، حيث تنشط لديها المخيلة السلبية التي تميل الى الهروب من هذا الواقع المؤلم والثقيل وبين الارادة، التي تميل الى التمسك بالحياة والعيش فيها ضمن هذه الظروف المعقدة والصعبة وبحسب قانون الجهد المعكوس او ما يسمى بقانون (كوية)، الذي مفاده بأنه اذا سيطرت فكرة ما على شخص وأصبحت متغلغلة في عقله الباطن، فأي محاولة من قبل الإرادة الواعية لمخالفة تلك الفكرة تكون النتيجة لصالح المخيلة بنسبة تربيعية.
ووفق هذا القانون الاجتماعي يكون عامل الوقت عنصرا مهما في تشخيص وعلاج هذه الظاهرة الخطيرة، والتصدي لها بشكل علمي للحيلولة دون اتساع وانتشار فكرة الانتحار السائدة بين الشباب، وهذا يتطلب القيام بدراسات نفسية من قبل مراكز بحثية متخصصة للوقوف عند أسباب هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا والحد من انتشارها.
ما أريد قوله إن زيادة معدلات الانتحار في مجتمع اسلامي، كالمجتمع العراقي يؤمن بالقيم الدينية ويتمسك بها وتحرم هذه القيم حالة الانتحار وقتل النفس، يعتبر تحولا رديكاليا خطيرا، يكشف عن تعرض المجتمع العراقي بجميع فئاته العمرية، خاصة الشبابية منها الى ضغوط اقتصادية ونفسية وصحية كبيرة ألقت بظلالها على مسيرة الحياة الاجتماعية فيه، ومن الواجب الانساني والوطني، أن تكون هناك جهود حقيقية وحثيثة من أطراف حكومية ومنظمات انسانية محلية وعالمية للتصدي بمهنية وعلمية لهذه الظاهرة الخطيرة وايجاد الحلول الناجعة لها .