بعد عقد من التشظي والفوضى هل تعود ليبيا الى وحدتها

آراء 2021/02/24
...

   ترجمة وإعداد:  أنيس الصفار

رفعت الأعلام هذا الشهر في العاصمة الليبية طرابلس، وعلى المباني وأعمدة النور في الشوارع، تألقت أضواء الزينة بالألوان: الأحمر والأبيض والأخضر احتفالا بالذكرى العاشرة للانتفاضة التي أسقطت دكتاتورها. 
كان هناك ايضاً سبب للاحتفال كما يبدو، فقد تشكلت حكومة مؤقتة جديدة بعد عقد من الحروب وانعدام الاستقرار، حكومة تعد بتوحيد البلد واجراء انتخابات ديمقراطية بنهاية السنة الحالية.
لكن خارج المصارف، حيث وقف العملاء منتظرين في طوابير استمرت ست ساعات لتسلم رواتبهم، وفي محطات الوقود حيث لا يتوفر الوقود إلا على فترات متقطعة، وفي ضاحية عين زارة التي عاشت شهرين بلا كهرباء في السنة الماضية، بدت معالم الاحتفال شيئاً أقرب الى السخرية.
منذ الاطاحة بنظام حكم العقيد معمر القذافي إبان انتفاضات الربيع العربي قبل عقد من الزمن نظرت ليبيا الى آمالها بالتغيير والحرية وهي تنحدر الى دورة متكررة من الحراك الدبلوماسي الذي تليه فترة ركود ثم الحرب، وخلال ذلك كله لم يزدد الليبيون أنفسهم إلا شقاء وبؤساً. بيد ان الدبلوماسيين والمحللين يقولون ان الحكومة التي تشكلت عبر محادثات مدينة جنيف برعاية الأمم المتحدة هذا الشهر تمثل اختراقاً ناجحاً رغم غياب الضمانات بالسلام والاستقرار. 
من المزمع لهذه الحكومة الانتقالية، التي تفاوض بشأنها 74 من السياسيين وصناع القرار وممثلي الفصائل والقبائل الليبية المحلية العديدة، أن تكون خطوتها التالية هي توحيد هذا البلد الغني بنفطه وغازه بعد أن توقف اطلاق النار في الحرب الأهلية في شهر تشرين الأول الماضي.
الى ما قبل اشهر قليلة كان من الصعب تخيّل امكانية جلوس هذه المجموعة معاً للتصويت على اختيار قيادة جديدة، بل ان الحكومة المؤقتة نجحت ايضاً في الحصول على دعم معظم اللاعبين الكبار في المعترك الليبي من المجاميع السياسية واصحاب المصالح والاعمال والمنافسين الجغرافيين والقوى الاجنبية.
تقول "كلوديا غازيني"، من مجموعة الأزمة الدولية، إنها ما كانت لتراهن بقرش واحد على إمكانية انعقاد هذا المنبر بعد كل ما عرفته واطلعت عليه من محاولات سابقة تقوضت نتيجة تدخل مفسدين من الخارج او منازعات بين الفصائل الليبية، ولكن اجتماع كل هذه العوامل معاً يبشر بالخير حتى لو لم يمضِ كل شيء كما نتمنى بالضبط، على حد تعبيرها.
هذا التقبل الحذر له علاقة الى حد ما بعبد الحميد الدبيبة الذي اختير لشغل منصب رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة. 
يقول احد المحللين إن الدبيبة، وهو رجل اعمال ثري من مدينة مسراطة، يمثل ثقافة الفساد من عهد القذافي، ولكنه بين أوساط النخبة الليبية ينظر اليه بوصفه رجل صفقات لا يحمل آيديولوجية محددة؛ لذا بوسع جميع الأطراف التحاور معه.
هناك محللون آخرون لا يشعرون بمثل هذا التفاؤل، فهم يعتقدون ان المنبر السياسي الذي تدعمه الأمم المتحدة قد فشل في تقديم مجموعة من القادة المؤقتين الذين تربطهم اواصر علاقة بأهم المكونات السياسية الليبية وبالمناطق الرئيسة الثلاث كما كان الهدف منه. بدلاً من ذلك انتج المنبر مجموعة تعد متحالفة مع تركيا وهي احدى القوى الاجنبية التي فرضت حضورها في ليبيا.
خلال الحرب الأهلية الأخيرة التي استمرت 15 شهراً كان خليفة حفتر، وهو القائد العسكري للمنطقة الشرقية الساعي للاطاحة بحكومة طرابلس المدعومة دولياً، يتلقى العون من روسيا والامارات العربية ومصر، وكان تدخل تركيا لصالح حكومة طرابلس هو الذي أرغم حفتر على التراجع الذي أدى الى انتهاء الحرب.
بيد أن حفتر، الذي لا تزال قواته مسيطرة على معظم مناطق شرق ليبيا ووسطها، أبدى ترحيباً علنياً بالحكومة الجديدة، ومعنى هذا أنه يرى في الموقف فرصة جديدة.. فرغم انه كان يواجه تهديداً بالتهميش بعد هزيمته في السنة الماضية سوف تكون الحكومة الجديدة بحاجة الى مساعدته لكي تحقق النجاح. 
الحكومة المؤقتة ستكون ضعيفة طالما بقيت وحدها مؤلفة من السيد دبيبة والمجلس الرئاسي بشخصياته الثلاث؛ لأن المجموعة المكونة من 74 ليبياً التي اختارتها لا يمكن اعتبارها ممثلة، كما يقول "وولفرام لاشر" من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية. بدلاً من تجاوز الانقسامات الليبية قد تكون النتيجة هي السماح للفصائل المتنافسة باغتنام الفرصة وتقاسم الغنائم من ثروات النفط فضلا عن تقوية زبائنها وجماعاتها المسلحة مثلما كانت تفعل في زمن الحكومات السابقة.
أول ما ينبغي على الحكومة المعينة فعله الآن هو تشكيل مجلس وزراء مقبول لدى الفصائل المختلفة، بعد ذلك عليها ان تنال موافقة مجلس النواب المنقسم الى فصائل شرقية واخرى غربية لم تفلح الى الآن في الاتفاق حتى على تسمية مدينة لعقد اجتماعها فيها.
حتى لو تمكنت الحكومة المؤقتة من تجاوز تلك التحديات فسوف تواجه مهمة اعادة توحيد البنك المركزي الليبي وبقية المؤسسات التي أدى انقسامها الى شل البلد وحرمان الاقتصاد من موارد نفطه الهائلة والموظفين العموميين من رواتبهم. يفترض ان يعقب ذلك كله تشريع قانون للانتخابات ووضع هيكل دستور جديد ثم اجراء انتخابات عامة في شهر كانون الأول.
هذه كلها هموم بعيدة بالنسبة لكثير من سكان طرابلس، ما يهمهم الان هو المليشيات المنفلتة المسيطرة على العاصمة وانقطاعات التيار الكهربائي والمستشفيات التي أنهكها فيروس كورونا ونقص المواد الطبية وارتفاع اسعار المواد الاساسية كالرز والحليب ومعجون الطماطم. في بعض الاماكن لم يعد بالامكان الحصول على بنزين السيارات إلا من السوق السوداء، وبسبب أزمة السيولة تمتد امام المصارف طوابير طولها ساعات كل يوم.
الأمل ضعيف بالنسبة لهؤلاء في أن تكون السنة الجديدة مختلفة عما سبقها. تقول أمينة دراهامي، التي تقف في طابور الانتظار لتسلم راتب والدها العليل. يعاني والد أمينة من مرض السرطان ولكن أياً من المستشفيات التي قصدوها لم تكن لديها الأدوية المطلوبة، وبينما الأسرة تكد لكسب عيشها تنتشر القوات الاجنبية والمرتزقة في كل شبر من ليبيا منتهكة حظر السلاح الذي اصدرته الأمم المتحدة والموعد المحدد للانسحاب من ليبيا في شهر كانون الثاني.
 
فيفيان يي ومحمد عبدالسميع/
عن صحيفة "واشنطن بوست"