نازك بدير
قد لا يخفى على أحد الخلل القائم في عمليّة التّعليم من بعد، والتّضرّر الذي أصاب عصب العمليّة التعليميّة. ولكن، هل بالإمكان تجاهل المشكلة الكامنة على المستوى النفسي؟ أم أنّ الأسباب تقنيّة محض؟
ثمّة أمور أبعد من التّكنولوجيا، وقد تفوقها أهميّة لنجاح موضوع التّعلّم، كالقناة الخاصّة التي يخلقها المعلّم بينه وبين الطّالب، وكيف تتّسع وتمتدّ تبعًا للظّروف وللاحتياجات التي يفرضها التّفاعل. إذ ليس المهمّ توفير الإنترنت وإنتاج برامج تربويّة متطوّرة فقط، بل تأتي صحّة المتعلّم النفسيّة والعقليّة في الدّرجة الأولى.
لطالما شكّلت المدرسة المكان الآمن بالنّسبة إلى متعلّمين كانوا يقصدونها هربًا من ضغوطات الأسرة أو البيئة المحيطة بهم، بينما وجدوا أنفسهم اليوم بفعل كورونا في ظلّ شرنقة لا مناص من الفكاك منها، كم من متعلّم أعاد التّفكير في نظرته إلى المدرسة وإلى مستقبله متأثّرًا بردّة فعلٍ من قبل معلّمه، وكم من متعلّم استرجع ثقته بنفسه نتيجة تشجيع المعلّم له! الدّعم لا يكون بالكلام فحسب، بل يستمدّه المتعلّم في الصّفّ الحضوري من خلال الثّقة التي يراها في عيني أستاذه، ومن تحفيزه إيّاه على الرّغم من ارتكاب الخطأ، كما يفقهه في نظرة تسامح، في تربيتةٍ على كتفه.
هذا النّوع من التّواصل مفقود بين الطّرفين في زمن التعلّم من بعد. ويبدو أن الشّاشة تعجز عن تحقيقه مهما بلغت سرعة الإنترنت، فما ينجزه المعلّم من قرب مع المتعلّم، يصعب أن تترجمه الشّاشة.
التّعليم ليس مجرّد تقارير وحضور ومعلومات تبثّ عبر المنصّات التي تفرضها الوزارة، هو كيمياء بين طرفَي العمليّة التّعليميّة. هذه الوصلة السّحريّة فُقِدَت بفعل المسافة المعنويّة التي أخفقت التّكنولوجيا إلى الآن في اجتراح حلّ لردمها، وهي، كما يظهر، أكثر أهميّة من الوسائل التّقنية. ولقد أثبتت التّجارب أنّ الإنسان لا يحيا بالمادّة وحدها، بل لا بدّ من التّكامل بينها وبين الرّوح.
يبدو من الأجدى أن تُمنح الأولويّة لهذا الجانب كي تستقيم الأمور، فمتى شعر المتعلّم بالارتواء على الصّعيد الدّاخلي النّفسي وبُذِلَت المساعي لمعالجته، سيكون بالإمكان الحديث عن تعليم مثمرٍ
وفعّال.
أكاديميّة لبنانية