عند بزوغ عصر التنوير وما تلاه من ثورات وحركات أدت الى تأسيس الانظمة الديمقراطية، ومانتج عن ذلك من تطور في مسار الفكر والفلسفة والثقافة والعلم، كان الإعلام هو الآخر له نصيب ليس في تطوره فحسب وانما في النظرة اليه كوسيلة مهمة تلعب دورا اساسيا في حياة الشعوب، وقد تجسدت بمقولة المفكّر البريطاني أدموند بروك في إحدى جلسات مجلس البرلمان البريطاني «هناك ثلاث سلطاتٍ تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، لكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهمّ منكم جميعاً».، وكان مصطلح السلطة الرابعة يطلق على الصحافة لكنه، وبفعل التطور التقني، امتد ليشمل جميع الوسائل المقروءة والسمعية والبصرية التي تستهدف تلقي المعلومات ونقلها وتداولها بغية اطلاع الناس على شؤون حياتهم ورفع مستواهم الثقافي وتشكيل رأي عام هو الاقوى في وسائل الرقابة الشعبية، وكثيراً ما قاد الانتفاضات وفجر الثورات، والأمس القريب، ثورات الربيع العربي، خير شاهد على ذلك، ولعله هو ما أراده أدموند بروك من أنها أهم السلطات لأنها وسيلة رقابة الشعب التي تراقب عن كثب مايصدر وما يطبق وما يجب عليه ان يكون الاصدار والتطبيق بطريقة حضارية تعتمد الحوار والتحليل والنقد البناء واوجه التحديات وسبل معالجتها.
في مقابل ما تقدم لدينا مصطلح «حجي جرايد»، الذي لا اعرف مصدره، لكنه بكل تأكيد جاء من محبي الجهل وانصاره، او قل، من الذين يراهنون على تعميم الجهل ويخافون الوعي، وربما هم من صنعوا وسائل اعلام غير مستقلة وليست حرة لنشر الكراهية ودعم الارهاب وازدراء بعض الناس وطمس الحقائق، وهذه كلها ليست من الإعلام وانما مايقصد بالإعلام هو الإعلام الحر المستقل الذي يستهدف الحقيقة وليس سواها، وللأسف فإن المصطلح المذكور لايحظى بالقبول فقط ممن حرموا من المعرفة وانما شمل ممن حصلوا عليها.
كما ان الإعلام لايقتصر دوره على المسائل السياسية وانما فيه من الترفيه والعلوم والثقافة ومختلف المعارف الاخرى التي لايمكن الاستغناء عنها، وعلينا ان نتأمل جيدا دوره في جائحة كورونا وما نقل الينا من وسائل كيفية تجنب مخاطرها وكيفية التعامل معها، بل أصبح البوابة الرئيسة لكل ما يستجد بشأنها وما يجب اتخاذه
بصددها.