مينا مثنى
للوهلة الأولى قد يثير عنوان إدمان الالعاب الالكترونية عند القارئ الاستغراب والتحفظ إذ يظن البعض أن الأمر ابسط من أن يطلق عليه لفظ الادمان، وفي حقيقة الأمر ان تلك الرؤية المبسطة لحالة ادمان الالعاب الالكترونية هي الخطأ الرئيس في تعاملنا مع هذا الملف بتهاون وقلة اهتمام.
ويعّرف الإدمان باللغة الإنجليزية بمصطلح (Addiction)، ويطلق عليه أيضاً مسمى التعود، وهو عبارةٌ عن حالة نفسية، وسلوكية تؤثر في الإنسان، وتجعله يرغب في القيام بشيء ما من أجل تحقيق الراحة النفسية، وادمان الالعاب الالكترونية لا يختلف عن باقي أنواع الادمان كإدمان الكحوليات والسجائر والمخدرات إلا انه اقل منها خطورة. إذ ينتج عنه العديد من الآثار السلبية التي تخلف العديد من الاضرار النفسية والاجتماعية بل وايضا الصحية شديدة الخطورة على الفرد والمجتمع، وهذا التصور ينطبق بكل مقوماته على ملف إدمان الالعاب الالكترونية.
في الوقت الذي يتردد الكثيرون في اعتبار الالعاب الالكترونية مشكلة صحية وعقلية، فإن منظمة الصحة العالمية (WHO) ترى غير ذلك إذ اعلنت في وقت سابق ان ادمان الالعاب الالكترونية مشكلة ذهنية حقيقية وتأتي هذه الخطوة بعدما تبنت المنظمة المراجعة (11) للتصنيف الدولي للأمراض (ICD)، الذي يمثل قائمتها المعترف بها عالميا للأمراض وتشخيصها وتقول منظمة الصحة العالمية إن المراجعة (11) (والاعتراف باضطراب الألعاب الذي تضمنته) تدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني 2022.
وتُشير العديد من الدراسات والإحصائيات إلى أن الإقبال على الألعاب الالكترونية تضاعف بشكل كبير وملفت خلال السنوات الأخيرة في مختلف أنحاء العالم مع تطور تلك الالعاب وسرعة انتشارها بين اغلب فئات المجتمع، وتنوعت ممارسة تلك الألعاب من خلال المنازل، أو عبر أجهزة الهواتف المحمولة، والمواقع والمنصات الالكترونية الخاصة بها بقصد التسلية والترفيه، والتواصل مع الآخرين، والتنافس عبر الأونلاين.
في العراق وعلى الرغم من الاقبال الكبير لهذه الالعاب خلال السنوات السابقة إلا أن العدد تضاعف اكثر خلال الاشهر الماضية جراء أزمة كورونا، إذ ازدادت الحاجة اليها بشكل مفرط بعد توفر المزيد من الوقت للعب خاصة بعد اقفال المدارس والجامعات وتوقف العمل في أغلب المؤسسات وفي معظم المجالات، إذ وجد الكثير من الاطفال والمراهقين والبالغين أنها المتنفس الوحيد لهم وانها خير بديل عن النزول الى المقاهي والمرافق الترفيهية لتلافي خطر العدوى على الرغم من انها بديل يقيد من حركتهم وسجنهم في مكان محدد، وهو الامر الذي يتعارض مع الطبيعة البشرية التي تهتم بالحركة والاختلاط !.
وتتلخص مضار الإدمان على الالعاب الالكترونية بأضرار صحية متمثلة في الجلوس لفترة متواصلة في الوضعية نفسها، والضغط على الأزرار نفسها بشكل مُتكرّر يؤدّي إلى إجهاد اليدين والعينين، والشعور بالتعب البدني، ومواجهة صعوبة في النوم وامراض عضوية اخرى وآلام المفاصل نتيجة لقلة الحركة ونقص فيتامين (د) الذي يؤدي الى مرض الكساح، فضلا عن ضياع الوقت والطاقة، إذ يقضي اللاعبون الكثير من الوقت أثناء اللعب مّما يدفعهم للتخلّي عن أنشطة أساسية في حياتهم؛ وذلك لإكمال ألعابهم المُفضّلة والفوز في مراحلها المختلفة، ومن الاضرار التي لوحظت على العديد ممن يمارسون ألعاب القتال هو السلوك العدواني للشخص وذلك دليل على التأثر بالمحتوى العنيف الذي تتضمّنه بعض الألعاب الالكترونية مما دفع بعض الدول الى حظر تلك الالعاب، أشهرها لعبة القتال (ببجي) (PUBG) إذ اصدرت السلطات الهندية في مارس 2019 قراراً بحظر اللعبة واعتقال كل من يمارسها ولاقى القرار سخرية من الكثيرين. اما الاردن فقد اعلنت رسمياً حظر اللعبة الشهيرة في يوليو 2019 وصرّح مصدر مسؤول في هيئة قطاع الاتصالات الأردنية أن جميع التقارير، وأبرزها تقرير منظمة الصحة العالمية، أكدت أن للعبة نتائج سلبية كبيرة، من أبرزها “الإدمان” و”العصبية والاستفزاز” و”العزلة الاجتماعية” و”تفكك الأسر”، وهذا ما استدعى الهيئة لحظر التطبيق داخل الأردن.
وفي العراق صادق مجلس النواب العراقي بالإجماع على مُقترح بحظر بعض الألعاب الالكترونية الشهيرة (من ضمنها لعبة ببجي) في أبريل 2019 مشيرا إلى تأثيرها “السلبي” على الشباب، وأشار التقرير إلى أن البلد يُعاني مُنذ فترة طويلة من نزاعات دموية على أرض الواقع، كما حظر البرلمان المعاملات المالية المرتبطة بتلك الألعاب. ناهيك عن أضرار أخرى متمثلة بالفشل الدراسي والفصل من العمل ولكن للأسف فإن خطر هذه الأمراض يمتد لما هو أكثر من ذلك، فتلك الألعاب الالكترونية قد تتسبب في مقتل الأطفال والمراهقين بل وحتى البالغين، كما حدث في الهند عندما توفي مراهق يبلغ من العمر 16 عاما ظل يلعب اللعبة الأكثر شعبية PUBG بشكل متواصل لمدة 6 ساعات، ثم انفعل بشدة عندما خسر في اللعبة فلم يتحمل قلبه كل هذا الانفعال وتوقف عن العمل، لتنتهي حياة الصبي بسبب خسارة اللعبة الالكترونية، والعديد من الحالات المشابهة في بلدان مختلفة، ورغم ندرة الوفيات الناتجة عن ادمان اللعب الالكتروني لفترات طويلة، فإنه يظل أمرا وارد الحدوث كما ورد في الحادثة السابق ذكرها.
ولعلاج الادمان على الالعاب الالكترونية لا يجب استخدام الأدوية بل يُفضل اتباع تقنيات علم النفس مثل استخدام العلاج السُّلوكي المعرفي، والذي يَنُص على تعديل أنماط التفكير للتعامل مع مواقف الحياة المختلفة وتركيز الاهل على مراقبة الاطفال والمراهقين واختيار الالعاب المناسبة لهم وتحديد ساعات محددة للعب . بشكل عام، فإن التحذير من خطورة إدمان الألعاب الالكترونية ليس بجديد، ولكن تصنيف هذا الإدمان بشكل رسمي كمرضي من قبل منظمة الصحة العالمية قد يشكل دفعة كبيرة لزيادة الوعي بهذا “المرض” واتخاذ خطوات جادة على مستوى الأسر والمجتمعات لمواجهته.