بابا الفاتيكان في العراق..الرهانات والمخاوف

العراق 2021/03/01
...

ابراهيم العبادي
 
ليست زيارة بابا الكاثوليك الاعلى الى العراق حدثا عابرا، كما انها ليست مشروعا دينيا- سياسيا متجاوزا للمجال المسيحي الى عمق المجال الاسلامي، المراهنون بزيادة والمتخوفون كثيرا،  لن يجدوا ما يقتاتون به اعلاميا وسياسيا لمدة طويلة، فهذه الزيارة ينبغي ان توضع في سياقها، وتقرأ في حدود مجالها الجغرافي وظرفه السياسي، وعلاقة ماحدث ويحدث من متغيرات، بعلاقة الاديان الكبرى وصدام الحضارات في العالم، وموقف الزعامات الدينية من ذلك، استثمارا لحضورها المعنوي والرمزي،  مضافا الى ماينبغي ان تكون عليه رسالة القيم والمشتركات الانسانية .
هي الزيارة الاولى  لبابا الفاتيكان اذن لهذا الجزء المعذب من العالم، وسيكون فخورا حين تحط اقدامه على ثرى ارض الحضارات وموئل الديانات ومركز تلاقي الثقافات، ستهتف ارض العراق بالزائر الضيف داعية اياه الى اعلاء خطاب السلام والتعايش في العالم ونبذ خطاب الكراهية والعنف والتعصب والعنصرية، فلطالما كرر الحبر الاعظم في عظاته وخطبه وزياراته قيم المحبة والسلام، لكن انطلاق وتكرار هذه  الدعوة  من موطن ابي الانبياء ابراهيم (عليه السلام) وبعد عقود من الحروب الداخلية والخارجية التي دمرت العمران وحطمت الانسان، سيكون لها وقع خاص، فعلى وقع طموحات الطامحين ونوايا المخططين الكبار، اشتبك العالم، بحروب مباشرة، أصالة ووكالة، وصارت هذه القطعة من الارض مكانا اختبر فيها الانسان المعاصر عقله وروحه وغرائزه، فتغلب العدوان والتدمير في ذروة التقدم العالمي، كأنما الحضارة البشرية تقدم دليلا على افلاس الانسان وغياب العقل وخراب الروح، سلام العالم من سلام العراق، وامن الارض والحضارة والمدنية، رهين بوئام الاديان وتصالح الشعوب وقبول الانسان بنظيره  المختلف المنتمي الى مجال ثقافي وديني وحضاري اخر .
لقد عانى العراق كثيرا ،وكان يمكن ان يكون لوعائه الحضاري وتاريخه الطويل وتجارب انسانه وحضانته للديانات، اثر كبير في بناء مسار اخر للحياة المعاصرة، في هذا الشطر من العالم، لكن ضيق الافق وغلبة التعصب وسيادة التطرف وهيمنة العنف، اطاح بالوجه الاخر للدين، الوجه الذي يمنح الانسان المعنى ويسبغ على حياته الجدوى، ويؤنسن علاقات البشر لصالح حياة اكثر سلمية واقل حروبا وافضل تعارفا. لم يحدث ذلك من قبل، ولم تشهد ارض العراق تجليات لتلك المعاني، بل ان صورة العراق في العالم باتت ترسمها وسائل الاعلام وتؤطرها الاحداث اليومية ،وهي احداث يشيع فيها الاضطراب والتأزم والعنف والبعد عن السلام، مسيحيون كثر تركوا ارض الرافدين هربا وطلبا للسلم والامان، كما ان أيزيديين وشبكا وتركمان وصابئة ومسلمين عانوا من الارهاب والعنف والابادة والاستعباد ففضلوا الهجرة ومغادرة الاوطان ومكابدة الالام، كانت النجف عاصمة العراق الدينية تطلق دعوات التسامح والسلام وضبط النفس واحترام ادمية الانسان ايا كانت ديانته وثقافته، لذلك سيكون المغزى كبيرا عندما يلتقي البابا بالمرجع الديني الاعلى، ويحضر وجه العراق الاخلاقي والانساني المعتدل بعدما استلب العنف والارهاب تلك الصورة وصادرها سنينا متطاولة .
هذه هي رسالة الزيارة وتلك هي حدودها، فلن يجد المتفائلون كثيرا ما يأملون، ولن يسمع الخائفون من الزيارة أصداء ماكانوا يحدسون، وليطمئن (المتعمقون) في رسائل التحليل، بان الابعاد الجيوسياسية لن تتغير بزيارة كانت مؤجلة منذ زمن بعيد، بل ان العراق هو المستفيد  عالميا، فرمزية حضور البابا ستعيد تسويق (العراق الهش) كونه بلدا يحتاج الى الدعم والتضامن والمساندة، وسيكون التذكير بالمحنة العراقية دافعا لمزيد من الاهتمام بسلام هذا البلد وازدهاره، فاذا لم يستقر مركز العالم القديم بسبب تقاطع المصالح واحتراب الهويات وتداخل الستراتيجيات، فمتى ينجح العالم الحديث في اثبات قدراته المادية وتفعيل قواه الروحية والرمزية لانقاذ هذا الجزء من شروره الداخلية ومطامع الاخرين الخارجية؟ 
من اور اذن ومن جنوب العراق وقلبه وشماله، سيسمع العالم بان هذه البلاد فيها مايستحق الاهتمام كثيرا ومايحظى بالاصغاء والامتنان مديدا  .