إسكان الفقراء بين الحاجة والمتطلبات

آراء 2021/03/03
...

 زهير كاظم عبود
تتسابق الحكومات في تقديم خدماتها للمواطنين، ويعد الاقتصاد عصب الدولة الرئيس بما يحقق أعلى موارد للاستثمار وتتنوع مصادره مع تشجيع القطاع الخاص وتنميته، ولهذا نصت الدساتير على كفالة الدولة للضمان الاجتماعي للأسرة والرعاية الصحية  للفرد، وحرص الدولة على توفير الظروف الإنسانية والبيئية  السليمة للفرد، ولعل من بين أهم تلك الكفالات هو توفير السكن الملائم للفرد،
 وقد عانى العراق والعراقيون منذ نهاية الجمهورية الأولى واغتيال عبد الكريم قاسم من أزمة سكن خانقة امتدت منذ شباط 1963 وحتى اليوم، وبعد مشاريع الإسكان التي شملت ذوي الدخل المحدود توقفت كل المشاريع، وهي التي صارت معلما من معالم عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، وبعد توزيع قطع الأراضي الصغيرة التي آوت أسر المهاجرين من ريف الجنوب الى بغداد في مناطق مدينة الثورة وماحولها، توقفت جميع مشاريع الإسكان للفقراء وذوي الدخل المحدود، وبدأت الحكومات المتعاقبة تنشر وعودا لا يتم تنفيذها فعلا، وكلاما من اجل الخطابات والتسويق الاعلامي، ولم يلمس أهل العراق أي مشروع يشمل تلك الشريحة الواسعة والعريضة والأكثر استحقاقا، ولم نزل اليوم وبعد قيام النظام الجديد ونهاية عهد الدكتاتورية وتطبيق الدستور ومعالم دولة القانون نسمع كثيرا بالمشاريع السكنية، ومضت سنوات لم تلمس تلك الشريحة سوى الوعود والأحلام. 
توزيع قطع الأراضي لن يحل مشكلة السكن، ولن يكون حلا مناسبا يعالج مشكلة الحاجة الى بيوت واطئة الكلفة ومتناسبة مع إمكانيات ذوي الدخل المحدود والفقراء ممن يعيشون على المساعدات والمعونات التي تمنحها الرعاية الاجتماعية، مثل هذه المشاريع يمكن تحقيقها مع شركات رصينة وفاعلة ومعروفة بمصداقيتها وسمعتها.   
ثمة من يبرر بأن مثل هذه المشاريع تتطلب ليس فقط الأموال والجهد بقدر ما تتطلب منا الوقت والصبر، وحين نسمع او نطالع  عن المشاريع السكنية التي تتسابق عليها الشركات التجارية التي تريد ان تستثمر وتربح، لم نزل نستمع تبريرا لعامل الوقت الذي أكل أعمار العراقيين ولم يزل حلم مشروع بيت صغير يأوي تلك الأسر المتعففة والمحتاجة وهو حق مقرر بمقتضى الدستور وتكفله القوانين والثروات التي تعود لجميع العراقيين. 
ومن يدقق في الموقف سيجد ان العراق من الدول الغنية التي لا تحتاج لإنجاز مثل تلك المشاريع لأكثر من منح الشركات المتقدمة قطع أراضٍ تشيد فوق مساحتها مدن صغيرة متكاملة للفقراء، على أن يتم الإنجاز خلال فترة لاتزيد عن السنة، وحتى لا يعتبرنا البعض مفرطين بالأمل فإن العالم بدا يتخطى تلك المدد الزمنية إذ تقلصت الى شهور عدة ان لم تكن شهرا واحدا.  ولربما من المفيد ان نطالع الخبر الذي نشرته صحيفة “الديلي ميل” البريطانية، والذي تذكر فيه استعداد الصين مؤخراً للفوز بلقب جديد لأسرع بناء على كوكب الأرض، بعدما نجحت في تشييد فندق من 30 طابقا (ونؤكد ثلاثون طابقا بالتمام والكمال) على مساحة 183 ألف قدم مربع في غضون 15 يوماً أو ما يعادل 360 ساعة فقط، وذلك بعد أن قامت بتشييد مبنى مكون من 15 طابقا في ظرف 6 أيام خلال العام 2010.إذ تم بناء الفندق “آرك” في بحيرة دونغتينغ، بمقاطعة هونان، على يد “مجموعة برود”، وهي شركة بناء صينية متخصصة في مجال الهندسة المعمارية المستدامة. وصمم الفندق ليكون مقاوما للهزات العنيفة، إذ يمكنه تحمل زلزال بقوة 9 درجات، وتم اختباره من قبل الأكاديمية الصينية لبحوث البناء، التي أكدت أن هذا المبنى مقاوم بمعدل خمس مرات أكثر من المباني التقليدية. وعملت “مجموعة برود” في تنفيذ مشروعها على تجهيز جميع مواد البناء مسبقاً وبناء الأسقف خارج الموقع وفقاً للمواصفات مما قلل من الهدر في مواد البناء الذي يتسبب في تكاليف إضافية ويقود في الوقت نفسه إلى تلويث البيئة. كما اعتمدت الشركة على تقنيات متطورة لعزل الصوت والحرارة وزودت الفندق بنظام خاص لرصد نوعية الهواء في كل غرفة نظرا لمشكلة التلوث في الصين. 
ومن الجدير بالملاحظة ان بناء الهيكل الأساسي للفندق استغرق 46 ساعة فقط، اما الهيكل الخارجي للفندق فقد تم انجازه بـ 90 ساعة فقط وذكرت صحيفة الديلي ميل ايضا بأن الأعمال في المشروع كانت تتوقف خلال الليل، إذ كان العمال يغادرون موقع الإنشاء الساعة العاشرة مساءً من كل يوم. وأضافت أن طاقم العمل نجح في إنهاء هذا الإنجاز الرائع من دون إصابة أحد من العاملين. 
والعنوان أن يكون بيت للفقير خلال شهر واحد يتم انجازه ليس من باب السخرية، ولا الحلم أزاء منجزات الشركات الجادة في الإنجاز، والصادقة في تنفيذ التزاماتها، وتسليم المشاريع خلال المدد الزمنية التي التزمت بها دون تأخير، ومن دون مماطلة وتسويف، شركات متخصصة ومرموقة ورصينة تكفل لها سمعتها وتجاربها وجديتها في تبني وإنجاز مثل تلك المشاريع العملاقة التي تعني للعراقيين الكثير، فلم نزل نستذكر رئيس وزراء العراق  الزعيم عبد الكريم قاسم لنجاح تجربة بيوت الإسكان، وهو لم ينفق الأموال من ماله الخاص ومن جيبه، انما خلاصة التجربة في جدية الشركة وترجمة الوعد الذي قطعه الى واقع ملموس، لم تزل تلك الأسر تحت سقف تلك البيوت المتواضعة والجميلة، ومن الجدير بالذكر ان نعيد للذاكرة تلك النزاهة والنظافة والإخلاص التي رافقت تلك العمليات من دون اختلاس وسرقات ومن دون احتيال وعمليات غش وتدليس بل ومن دون وجود شركات وهمية تنصب وتتحايل على اموال العراقيين. 
نحن بحاجة لوقفة جادة من الشركات المشرفة على بناء واكمال مشاريع السكن، حتى يمكن اختصار الزمن وتعويض الفقراء من اهل العراق عن زمنهم الذي فات والذي سرقته الحكومات التي تعاقبت ورحلت من دون ان تترك اثرا!!! وكيف لنا ان نختزل الزمن لتعويض اهلنا واخوتنا بمساكن تحفظ لهم ولأسرهم الكرامة وتضمن لهم حقوقهم كمواطنين تتكفل الدولة حقا بما يضمن لهم  الظروف الإنسانية والبيئية التي تليق بهم كمواطنين عراقيين متساوين أمام القانون. 
ضمن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العراق، ثمة بارقة أمل يمكن معها أن نثق بأن حلا لا بد وأن يأتي، اسعار النفط اليوم ترتفع، الزيادات التي طرأت على الأسعار المدرجة بالميزانية وحدها يمكن ان تحل مشاكل مشاريع سكن للفقراء، بيوت واطئة الكلفة تستر أسرا عديدة تكفي لأن يسجل التاريخ العراقي هذه الخطوات بمداد من الفخر والشرف لكل من أسهم او وضع اللبنات الأولى لمثل هذه المشاريع.