مسؤولية الأب.. بين الحداثة والتشريع
آراء
2021/03/14
+A
-A
الدكتورة سلامة الصالحي
في موروثات مجتمعنا العراقي، لطالما تردد الامهات أن الأب رب، ومعنى الربوبية هنا لايخلو من التقديس الذي يعني الهيمنة والتسلط بل أيضا بذات الوقت يعني أنه مصدر التأسيس الأول للأسرة والمسؤول عنها اقتصاديا واجتماعيا، وهذا الوعي يجب أن يتشكل منذ بدايات التربية المنزلية لدى الأسرة الاولى لينمو مع الرجل أو المرأة التي ستكون ربة أسرة أيضا وعليها من الاعباء الكثير.. لتأسيس أسرة مثالية ومن ثم الحفاظ عليها لتكون أسس المجتمع ولبناته صحيحة وقوية،
والاب الحقيقي هو ليس الأب الذي ينجب الابناء ويطعمهم فقط، بل هو الذي يتحمل المسؤولية وقيادة الأسرة قيادة واعية لمتطلبات العصر وهمومه، أي أن يكون واعيا بالمقدار الكافي في مسك حبل عياله من الانقطاع أو الانفلات، وأن يعي أهمية وجوده وحضوره الايجابي بين أفراد أسرته، ولايخفى على أحد أن العقود الأخيرة في بلادنا أفقدت الأسر الكثير من أربابها تحت طائلة الحروب التي فرضتها الانظمة الدكتاتورية في ظل غياب الحكمة والدبلوماسية والضمير في معالجة الأمور، لتلحق بها فرق الاعدامات والاغتيالات والحرب الاهلية التي شهدت أسر كثيرة قتل واستشهاد آبائها وأبنائها أمام أعينهم، ولايخفى على أحد أن ما حصل هو القسوة والفقد والحروب والجوع التي نبتت أوصالها في قلوب البعض ليفقد الرحمة ويتعفن الوجدان ويذبح الضمير الذي ذبح بطريقه رقابا كثيرة، فتجد الأسرة نفسها بلا أب ولا حماية ولا معيل، وقد أسلمت نفسها الى الضياع او الانكفاء والعزلة، وبغياب رعاية الدولة والمجتمع لهذه الأسر.. ليس ماديا فقط بل المفترض بالمؤسسات الدينية والاجتماعية احتواءها واحتضانها والحفاظ عليها من الأنهيار الذي بدأ بفقد ربان السفينة الذي ترك أسرته في خضم الموج والضياع، أحيانا كثيرة وليس التعميم طبعا فهناك نساء التزمت أسرها وأعطت للمجتمع افرادا نافعين ومهمين.
في موروثات مجتمعنا العراقي، لطالما تردد الامهات أن الأب رب، ومعنى الربوبية هنا لايخلو من التقديس الذي يعني الهيمنة والتسلط بل أيضا بذات الوقت يعني أنه مصدر التأسيس الأول للأسرة والمسؤول عنها اقتصاديا واجتماعيا، وهذا الوعي يجب أن يتشكل منذ بدايات التربية المنزلية لدى الأسرة الاولى لينمو مع الرجل أو المرأة التي ستكون ربة أسرة أيضا وعليها من الاعباء الكثير.. لتأسيس أسرة مثالية ومن ثم الحفاظ عليها لتكون أسس المجتمع ولبناته صحيحة وقوية،
والاب الحقيقي هو ليس الأب الذي ينجب الابناء ويطعمهم فقط، بل هو الذي يتحمل المسؤولية وقيادة الأسرة قيادة واعية لمتطلبات العصر وهمومه، أي أن يكون واعيا بالمقدار الكافي في مسك حبل عياله من الانقطاع أو الانفلات، وأن يعي أهمية وجوده وحضوره الايجابي بين أفراد أسرته، ولايخفى على أحد أن العقود الأخيرة في بلادنا أفقدت الأسر الكثير من أربابها تحت طائلة الحروب التي فرضتها الانظمة الدكتاتورية في ظل غياب الحكمة والدبلوماسية والضمير في معالجة الأمور، لتلحق بها فرق الاعدامات والاغتيالات والحرب الاهلية التي شهدت أسر كثيرة قتل واستشهاد آبائها وأبنائها أمام أعينهم، ولايخفى على أحد أن ما حصل هو القسوة والفقد والحروب والجوع التي نبتت أوصالها في قلوب البعض ليفقد الرحمة ويتعفن الوجدان ويذبح الضمير الذي ذبح بطريقه رقابا كثيرة، فتجد الأسرة نفسها بلا أب ولا حماية ولا معيل، وقد أسلمت نفسها الى الضياع او الانكفاء والعزلة، وبغياب رعاية الدولة والمجتمع لهذه الأسر.. ليس ماديا فقط بل المفترض بالمؤسسات الدينية والاجتماعية احتواءها واحتضانها والحفاظ عليها من الأنهيار الذي بدأ بفقد ربان السفينة الذي ترك أسرته في خضم الموج والضياع، أحيانا كثيرة وليس التعميم طبعا فهناك نساء التزمت أسرها وأعطت للمجتمع افرادا نافعين ومهمين.
وفي زمن الحداثة السائلة كما يقول عالم الاجتماع البولندي الاصل سيغموند باون، هناك حب سائل وخوف سائل وسياسة سائلة، وتحت هذه الموجة من السيولة، برزت ظواهر غريبة ومستحدثة وتراجعت سلطة الاب وضربت مشاعر المسؤولية لديه.. ودخل في دوامة السيولة والعلاقات المتعددة والبحث عن حياة تتجدد يوميا بعد ان نما لديه حس الهروب من متاعب الأسرة ومسؤولياتها من خلال العلاقات العابرة التي يتوق لها الرجل تحت سطوة الحرية السائلة أيضا والتي جاءت بها ظواهر العصر وسهولة الاتصالات التي صارت نقمة على تماسك الأسرة وقوتها وهيبتها، ولاننسى الوفرة المالية المفاجئة التي توفرت للبعض بطريقة مشروعة أو في أحيان كثيرة بطريقة غير مشروعة عبر الفساد والرشى، وصار غياب الأب عن الأسرة يشكل أزمة وجودية واجتماعية لافرادها، فالرجل الذي وجد نفسه مكبلا بأسرة كبيرة ومسؤولية رعايتها، استمرأ الهروب من هذا القيد والخروج الى غابة الملذات والعلاقات التي قد تأتي في أزمة منتصف العمر وتستمر معه كمرض لاخلاص منه، بعد ان استيقظ على سنينه التي يرى أنها ضاعت في خضم الركض وراء لقمة العيش ورعاية الأسرة، وهنا تبرز الشخصية الحقيقية التي قد لاتنصاع خلف رغباتها ويشتد حرصها على أسرتها، أو قد يهرب بعيدا منصاعا الى رغباته واحتياجاته الذاتية التي استيقظت فجأة، والتي يعطي لنفسه الحق بعد أن وجد ما يمنحه هذا الحق من خلال الشرع أو المجتمع الذي يصمت على ممارسات الرجل ويصرخ رافضا إن مارستها المرأة تحت نير الازدواجية والذكورية التي يرزح تحتها مجتمع صار أسيرا لذكورة غير عادلة أحيانا كثيرة، فالرجل الذي يسمح لنفسه بالزواجات المتعددة والمؤقتة والعلاقات الكثيرة، لن يقبل هذا لزوجته او ابنته، ولكنه يسمح لنفسه بالفعل هذا مع نساء وبنات الاخرين، ويدخل العامل الاقتصادي سببا رئيسا في صمت المرأة وقبولها لهذه التصرفات التي لا أراها تدخل ضمن المشينة بل ضمن الجرائم الاخلاقية التي يجب ان يرفضها المجتمع ويوضع قانون لعدم حدوثها، وشيوعها الذي أراه استشرى بشكل معين ومفجع في مجتمعنا، وهنا نجد بعض الآباء بلا أدنى شعور بالمسؤولية، وهو يتنقل من امرأة الى أخرى مسرفا امواله ومقدراته على علاقات عابرة في وقت يكون فيه مقترا أيضا على أسرته التي تركها تعاني الحرمان والعوز، مستمتعا بعلاقاته غير السوية تحت تفسير مغلوط وملتبس لمعنى الحرية والشرع والذي أستغل استغلالا فاحشا ومخجلا أدى الى خلخلة وخراب مجتمعي أخلاقي لايمكن الغفلة عنه أو تجاوزه، ولو عكسنا الحالة على المرأة، فهل يمكن القبول بالأمر، بالتأكيد لايمكن، وتدخل في سياق الجرائم الاخلاقية التي تؤدي الى القتل تحت ذريعة الشرف والسمعة، من هنا يجب أن يعي الرجل، أن أهماله لأسرته والانشغال بملذاته يدخل في سياق جرائم الشرف والاخلاق أيضا، بما تعنيه من التخلي القاسي والتقصير في هدر كرامة الأسرة وسمعتها، وضرب البناء الصحيح لأفرادها، فسقوط القدوة الأبوية أمام الابناء يجعل من هذا الأمر عقدة مستدامة يدور حولها فكر الابناء وهم يشقون طريقهم في الحياة، فتكون هذه العقدة عميقة الى حد كراهية كل مايمت للعلاقات الانسانية بصلة، وبالنتيجة يظهر فرد كاره للنساء والمجتمع، أو قد يصاب بالتقليد الاعمى والاجوف للأب فيسقط خلف أبيه في هاوية الضياع، وعدم وضوح الهدف، فالأب الذي يقضي ليله في سهراته مع الاصدقاء والشلل عائدا للبيت في ساعة متأخرة، وفي حالة سكر فاقدا لرشده ووعيه، قد يرتكب مايرتكب من جرائم من دون أن يدري، ومحاكم الاحوال الشخصية وزنا المحارم، معروفة وان غفل عنها المجتمع أو توارى عن هذه الحقائق، هذه السلوكيات الشائنة والتي تجعل من الآباء نقمة وليس نعمة، يجب التوقف عندها والتدخل لمنعها وعدم حدوثها لأنها تضعف الأسرة وتعطي أفرادا بهيئة عاهات اجتماعية يفور بداخلها الحقد والانتقام والضغائن، وربما الخوف والازمات النفسية التي تصل الى مرحلة الانتحار والتخلص من الحياة، فالأب الحقيقي هو الحارس الأمين الذي يكون هاجسه وقلقه أسرته وأبناءه وزوجته وأن يضمهم تحت جناحيه من كل مخاوف الحياة وصعوباتها، هذا الأب مهما كانت امكانياته المادية ضعيفة سينتج أفرادا أصحاء نفسيا وممتلئين بالطموح المشروع والحب والايجابية الصالحة التي تضع أسسا قوية لمجتمع قوي وصحي، عكس الاب الذي ينتج المال ولايعطي الرعاية والحنان اللازم للأسرة والزوجة والابناء، فيدفع الثمن غاليا، بعد سنين التهور والحماقات التي خاض بها، فالبذرة التي يغرسها الاباء تعطي ثمارها سواء كانت طيبة أو شيطانية، فالحصاد هو ما نزرع، وننبت في أبنائنا من حب وقيم جميلة، او عقد وأحقاد وقسوة، فالأب الحريص على العودة باكرا وتفقد أبنائه ومتابعة دروسهم وعلاقاتهم ومشكلاتهم، وتفقد الزوجة واحتياجاتها ورعايتها بالحب والحنان والاهتمام، سيكون بالتأكيد أبا سعيدا ويرعى أسرة سعيدة وصحيحة، وهنا لا بد من التأكيد على بدايات هذه الاسرة ومسؤولية الاختيار ودراسة مشروع الزواج ووضع الأسس الصحيحة للحياة والانجاب، فينبغي أن يكون الحب والرغبة أساسا للاختيار وتحت ظل التكافؤ الاجتماعي والثقافي والمادي الذي سيكون عاملا أساسيا في نجاح هذا المشروع وتأسيس أسرة، اي أن يكون الاختيار مبنيا وفق رغبة الزوجين وقبولهم وليس تحت رغبة الأهل والأصدقاء التي طالما تؤدي الى زيجات فاشلة يقضي فيها الازواج سنين من التعاسة والنفور، تجعل البحث عن شريك مناسب هاجسا ورغبة ملحة، تؤدي الى ضياع الأسرة وتفككها، أو الانفصال الذي يكون آخر الحلول تحت ظل علاقة غير حقيقية وكاذبة، في زمن صار الطلاق من أسهل الامور التي صار المجتمع يتقبلها بعد أن كانت من أصعب الاوضاع الاجتماعية.
هنا يجب أن يكون الإقبال على الزواج مدروسا وصحيحا من كل النواحي وأن يكون الرجل والمرأة مهيأين نفسيا واقتصاديا وعاطفيا للعيش بسعادة مع من يحب، لتسير الحياة في مسارها الصحيح والصافي بلا مشكلات وأذى قد يكون ضحيته ابناء لاذنب لهم إلا زيجة فاشلة، ارتكبها الاباء في غفلة من القلب.