ماذا بعد زيارة بابا الفاتيكان للعراق؟

آراء 2021/03/15
...

 عبد الحليم الرهيمي
انتهت بسلام وتفاؤل زيارة الحبر الأعظم فرنسيس الأول الى العراق والتي ابتدأت بالاستقبال الحافل بمطار بغداد ثم حفاوة استقبال رئيس الجمهورية د. برهم صالح، وأعقبت ذلك زيارة كنيسة سيدة النجاة وأداء القداس فيها ثم اجتماع القمة التاريخي الذي عقد في اليوم الثاني بين المرجع الإسلامي الشيعي السيد علي السيستاني وفي بيته المتواضع في أحد أزقة النجف وبين الضيف الكبير الحبر الأعظم فرنسيس الأول بابا الفاتيكان لمدة 45 دقيقة، ثم أعقبت ذلك زيارة مدينة الناصريَّة والحج الى بلدة أور الأثرية – التاريخية التي يوجد فيها مقام أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، بينما أعقبت ذلك في اليوم الثالث والأخير زيارة الموصل وبلدة حوش البيعة ثم بلدة قرقوش، بعدها اختتمت الزيارة بـ (القداس الالهي) الذي أداه البابا في ملعب فرنسوا حريري بمدينة أربيل وبحضور نحو عشرة آلاف مصلٍ ومشارك، إذ أعلن الباب من هناك انتهاء الزيارة – الحج وانه سيعود من بغداد غداً الى روما.
هذه الزيارة التي وصفت بحق، بالتاريخيَّة، وهي كذلك، إذ لم يحصل، منذ تأسيس كرسي البابويَّة، قبل نحو ألفي عام بزيارة أحد البابوات العراق خلال الفترات التالية، ويلتقي بأحد مراجع المسلمين الشيعة في مدينة النجف الأشرف، وهذه الزيارة هي تاريخيَّة كذلك لأنها كانت (زيارة سلام ومحبة) رحب بها غالبية العراقيين من كل الديانات والمذاهب والاثنيات، باستثناء الذين لم يدركوا أهميتها وأبعادها ودلالاتها.
ولعلَّ ما أضفى على هذه الزيارة والحج لبابا الفاتيكان للعراق أهمية أخرى أنَّ الضيف الحبر الأعظم فرنسيس كان شديد الإصرار على أنْ تتحقق هذه الزيارة رغم مخاطر جائحة (كوفيد – 19) ورغم التحديات الأمنية والتحذير منها، فضلاً عن مرضه وكبر سنه الذي يبلغ نحو 85 عاماً، الأمر الذي دعا البعض بوصفه بالبابا الشجاع، كما حظيت هذه الزياة باهتمام عالمي كبير، إذ عدت منظمة (اليونسكو) ان العراق بهذه الزيارة تربّع على عرش العالم مجدداً بالصلاة الإبراهيميَّة في أور، كما عدّت بعثة الاتحاد الأوروبي بأنَّ هذه الزيارة تمثل علامة تاريخية فارقة للعراق، فضلاً عن ترحيب واطراء العديد من دول العالم وسفاراتها في العراق لهذه الزيارة مثل سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وايطاليا والمانيا وغيرها.
هذه المعاني والدلالات والأهمية التي انطوت عليها هذه الزيارة التي كانت حافلة بلقاءات وتنقلات بخمس محافظات، والدلالات التي عبرت عنها كلماته وعظاته في صلواته وفي القداسات الدينية التي أقيمت بحضوره ومشاركته والتي كانت تدعو للسلام والمحبة والتآخي والعدالة والأخلاق ورفض التطرف ورفض العنف ولغة السلاح وغير ذلك، إنما مثلت القيم والمبادئ الإنسانيّة المتشابهة لجميع الأديان.
وانَّ التذكير بها إنما يفيد كسلاح لمكافحة العنف والصراعات غير المبررة بين بني البشر، أو بين أصحاب الأديان والعقائد المختلفة، وعلى الجميع أنْ يتمسك بالسلام والمحبة والتآخي والتعايش والتسامح.
وفي ضوء ذلك يمكن القول: إنَّه رغم الأهمية الكبيرة والتاريخية التي انطوت عليها هذه الزيارة، فإن الاهمية الاكبر تتجلى بما سيليها، في نتائجها، ذلك ان معنى تقييم النتائج سوف تظل كعلامة فارقة بارزة بالعراق، وحدثا مهما للدراسة والتقييم والتأمل في دلالاتها على صعيد العالم لمئات السنين، اما على الصعيد العراقي فإنّ الجهات الرسمية وغير الرسمية معنية تماماً بضرورة الاستفادة من زخم هذه الزيارة وما اسفرت عنه من نتائج ودلالات، والتي تتطلب القيام بالاجراءات الاتية: 
- البحث في كيفية تعزيز السلام والتآخي والحوار بين الكيانات الاجتماعية والدينية والمذهبية لتعزيز الوحدة والتآخي 
بينها.
- توثيق كل ما صدر عن الزيارة من فعاليات وتصريحات بمختلف سبل التوثيق البحثية والرقمية وبعدة لغات كيما يتم تعميمها على مختلف دول العالم، ولا سيما عبر السفارات.
- المباشرة بإعمار اور ومدينة الناصرية بما يؤهلهما لاستقبال آلاف الزائرين و(الحجاج) من الاخوة المسيحيين، وبما يشكل مظهراً حضارياً وثقافياً وسياحياً يفيد كمردود مالي.
- مبادرة الحكومة لدعوة ممثلي الكنيسة القبطية في مصر والكنيسة الارثوذكسية في روسيا، وسائر مرجعيات الديانات الثلاث الرئيسة وغيرها من الديانات لزيارة العراق، ومقام النبي إبراهيم الخليل ابو الانبياء، أوليس حّرياً بنا، بالعراق، ان يتربع على عرش العالم مجدداً، كما رأت (اليونسكو) ذلك وعبرت عنه ببيان رسمي؟