محمد شريف أبو ميسم
ثمة توصيف لوظائف المحكمة الاتحادية تضمنته فقرات المادة 93 من الدستور، يمكن أن يعطي الاجابة عن سر تعطيل هذا القانون على مدار سنوات، اذ يوكل الدستور لهذه المحكمة وظيفة الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، بما يكفل كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة، فضلا عن الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية، والمنازعات التي تحصل في ما بين حكومات الاقاليم او المحافظات، والفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، والفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وفي تنازع الاختصاص في ما بين الهيئات القضائية للاقاليم، او المحافظات غير المنتظمة في اقليم.
ما يعني أنّ غياب قانون المحكمة الاتحادية على مدار ثمانية عشر عاما، كان مدعاة لاعتماد التوافقات، التي أفضت الى شيوع أساليب الاستقواء والابتزاز السياسي بين القوى النافذة، ومن ثمّ تكريس سياسة لي الاذرع والتهديد بانهيار العملية السياسية عبر التلويح بالانسحاب منها، وترسيخ المحاصصة، التي أفضت الى هذا الكم من الفساد وسوء الادارة والاستئثار بمواقع المسؤولية. وفي كل مرة يقدم فيها هذا القانون للقراءة، كان ثمّة اعتراض أو خلل في النصاب يكون سببا لتأجيل التصويت، الأمر الذي أسهم في دخول البلاد بمرحلة الصدمة الناجمة عن الفوضى السياسية التي جرت علينا كثيرا من التداعيات فبسبب غياب القانون كانت التوافقات غير الدستورية التي فرضتها الجهات الداعمة للعملية السياسية عن عمد، لمنح بعض الأطراف امكانية لي الأذرع، وتكريس سياسة الاستقواء والفوضى على حساب البلاد والعباد.
إنّ تشريع هذا القانون من دون الالتفاف على نصوصه، لن ينظم عمل المحكمة الاتحادية ويفعل دورها في الحفاظ على النظام الديمقراطي في البلاد وحسب، بل سيضع حدا للتجاوزات الدستورية، وسد النقص التشريعي عند إغفال القوانين لمادة تتعلق بالتشريع أو سكوت النص عنها، وسيكرّس العمل بمبدأ الفصل بين السلطات ويحافظ على النظام الديمقراطي من العبث التشريعي أو الاحتواء التنفيذي، وسيكون مراقبا صارما في تنفيذ مفردات الدستور، ويبشّر بنهاية الفوضى السياسية وانتظام ايقاع مجريات الحياة، وسيكون دافعا للمطالبة بحقوق الشعب التي كفلها الدستور.