دلالات الثواب والعقاب في عصر الانترنت

آراء 2021/03/15
...

  د.عبد الواحد مشعل

إن  الحديث عن  الدلالات الثقافية يقودنا الى إثارة التساؤلات الآتية: هل  هناك  اختلاف جوهري  بين  مجتمع تقليدي، ومجتمع عصر الاتصالات الحديثة سريعة التدفق في معانيهما ووظائفهما التربوية؟، وهل فقدت وظيفتهما التربوية في عصر الحداثة والأجيال الجديدة وأضحت مجرد ردع مفرغ من محتواهما الاجتماعي والتربوي؟، وهل أسهمت وسائل الاتصال الحديثة في ضياع الأصول الاجتماعية والثقافية لدلالة العقاب والثواب وأصبحت مجرد وسائل للتوازن في الحياة اليومية أكثر منها وسيلة لحفظ قيم وتقاليد المجتمع؟، إن وقفة قصيرة مع مجمل تفاعلنا اليومي مع الأحداث والمجريات المختلفة في المجتمع، بعد ما أصبحت أجيالنا الجديدة في موقف اللامبالي من حيث شخصيتها الاعتبارية في ما يسمى بعصر الانترنت، وتناقض دلالاتها الثقافية كليا في  المجتمع التقليدي الشعبي، الذي لا يزال في بعض جوانبه، يمثل عامل ردع اجتماعي في مضمونه أكثر منه عملية انتقام، حينما تكون رمزية كل من العقاب والثواب في عقلية الإنسان ذات تأثير  قيمي أو تحمل صفات المجتمع الحضري الشعبي وهو يؤدي وظيفة تربوية تحد من السلوك المنافي للقيم والأخلاق العامة، أو  كوسيلة فعالة للدفاع عن الاعتبارات القيمية لشخصية المجتمع المعنوية أمام المجتمعات الأخرى، الا أن الأمر  لم يعد كما يراد له أن يكون، إنما تعمل ماكنة التكنولوجيا الحديثة على نخر  بنيته القيمية التقليدية، ملقية بالكثير من عناصرها القيمية في الهامش لتحل محلها قيم جديدة قد لا تعجب الجيل التقليدي، لكنها ماضية الى غايتها، وهنا تكمن الخطورة إذا لم يتم بلورة نظام قيمي يتفاعل مع الجديد؛ لذا يستوجب على مؤسسات المجتمع المختلفة، التفاعل مع الجديد، وتطويعه ايجابيا في سلوك أجيالنا الجديدة من خلال التزود بالمعرفة العلمية، للارتقاء بالسلوك اليومي الى مستوى الطموح لمجتمعنا، لذا ينبغي على المؤسسات المعنية العمل على بلورة طرق وآليات جديدة تردم الفجوة بين التوجهات التربوية للثواب والعقاب وبين ما تفرضه الثقافة الوافدة عبر الانترنت والوسائل الاتصالية المختلفة من اختلال سلوكي وقيمي لدى أجيالنا الجديدة، لكي تأخذ أجيالنا الجديدة أدوارها في بناء مجتمع مزدهر  يقدر  التكنولوجيا الحديثة ويعطيها اولوياتها الاعتبارية، وهي مهمة ليست سهلة لكنها خطوة لا بد منها إذا أراد المجتمع بناء منظومة قيم، تحفظ قيمه التربوية، وفي الوقت نفسه تعمل على بناء مجتمع تعددي ومتسلح بقيم التفاني والتسامح يتساوى فيه الجميع، يكون فيه الثواب والعقاب من الطرق الفعالة لتقويم السلوك بطرق حداثوية هادفة، بدلا من ضياع مقاييسهما التربوية، وما سيتمخض عن ذلك من نتائج وخيمة  على العملية التربوية بكاملها.