عند أبواب الإمام

الصفحة الاخيرة 2021/03/16
...

جواد علي كسار
الحالة الشعائرية المكثفة المرتبطة بقاضي الحوائج موسى بن جعفر(ع)، تكاد تحجب أبعاد هذه الشخصية الفذّة من آل النبي، وهو أمر طبيعي لأن الشعائر أقرب إلى 
الوجدان.
من أبرز النوافذ التي تطلّ على أبعاد موسى بن جعفر عنايته الكبيرة بالمعرفة ودورها، فقد كان في المدينة رجل متعبّد زاهد يدعى الحسن بن عبد الله، التقاه الإمام في المسجد فتعامل معه بودّ، ومدح ما هو فيه، بقوله: «ما أحبّ إليّ ما أنت فيه وأسرّني بك»، لكن الإمام أخبره صراحة بأن مشكلته أنه يمارس العبادة ودوره في الحياة، من دون قاعدة ارتكاز معرفي: «ليست لك معرفة»، ثمّ دفعه إلى المعرفة في قصة مفصّلة تذكرها مصادر التاريخ، كثيرة الفوائد والعظات.
على خطّ التأصيل المعرفي للعقيدة، أطلق الإمام مساراً تصحيحياً تصدّى فيه لأبرز خمسة اتجاهات كانت قد فشت في حياة المسلمين، هي المرجئة والقدرية والزيدية والمعتزلة والخوارج، في محاولة منه لإعادة المسلمين إلى مرجعية الكتاب والعترة، وهو صاحب الصيحة المعروفة، وهو يخاطب أحد متكلمي عصره هشام بن سالم، ويكرّر عليه النداء ثلاثاً: «إليّ، إليّ، إليّ.. لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى الزيدية، ولا إلى الخوارج» في واقعة كثيفة الدلالة، تذكرها الكتب المختصّة 
بسيرته.
في الجانب السياسي اختار الإمام المنهج الإصلاحي وترشيد الحكم الموجود بالميسور، بغرس رجاله في كبرى مؤسّساته وأجهزته العليا، تطبيقاً لرؤيته في قضاء الحوائج بالسلطة، وليس الوزير التابع بولائه له علي بن يقطين، سوى المثال الأبرز المتداول على ألسنة الخطباء ومنابرهم، وإلا فقد كان لرجال الإمام حضور مميّز في القضاء ولهم دورهم الكبير في إدارة الحكم، مثل القاضي حفص بن غياث، والخازن أو وزير المالية عبد الله بن سنان، وسكرتير المنصور المهدي وكاتبه الفضل 
بن سليمان.
بشأن المعرفة تؤكد نصوص الإمام ومواقفه على شرط الرشد والوعي والعقلانية والانضباط، وكم حذّر من انزلاق الإنسان إلى «هدم عقله»، وشدّد على مبدأ التفقه بالدين، وليس بالأحكام الشرعية وحدها، حين وضع «فقيهاً واحداً» ينقذ نفساً، في كفةٍ يكون بها «أشدّ على إبليس من ألف 
عابد»!
أخيراً؛ لقد ضرب الإمام على مفهوم الميوعة والضعف، وهو يطلق صيحته المحذّرة: «لا تكن أمّعة»، والأمّعة هو الذي يطمس عقله ويذوّب ذاته تحت ذريعة: «أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس»!