محمد كريم الخاقاني
تحظى زيارة الحبر الأعظم قداسة البابا فرنسيس الى العراق باهتمام عالمي غير مسبوق، إذ تصدرت اخبار زيارته عناوين الأخبار ولأيام سبقت الزيارة واخرى ستتبعه لما لها من اهمية استثنائية، فالعراق هو بلد الأنبياء وموطن الحضارات وفيه ترعرعت قيم التسامح ونبذ العنف والتطرف والكراهية، ومن هنا تمثل خطابات البابا التي القاها في زيارته للمدن العراقية، سواء في بغداد والنجف الأشرف وأور والموصل واربيل اعترافاً صريحا بمحورية العراق كبلد جامع الاديان السماوية على أرضه، وانطلقت دعوات نشر السلام في ربوع البلد الذي شهد أسوأ قسوة عرفتها البشرية والتي تمثلت باحتلال كيان عصابات داعش الإرهابية لأراضيه وما تبعه من قتل وتهجير لفئات متنوعة من مكونات الشعب العراقي.
وبعبارات مؤثرة اثناء لقائه مع الرئيس برهم صالح، قال البابا «لتصمت الأسلحة! ولنضع حداً لانتشارها هنا، وفي كل مكان، ولتتوقف المصالح الخاصة، المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين. ولنستمع لمن يبني ويصنع السلام» ولذلك فإن مسيرة صانع السلام تتجلى في جعل كلماته لها من القدرة والفاعلية اكثر من خيار العنف.
ان رمزية لقاء قداسة البابا مع سماحة السيد السيستاني، إنما تشير الى الالتفاتة الإنسانية في خطابات كليهما، فكلمات السلام ونبذ العنف والدعوة للعيش المشترك، هي عناوين للدعوة الإنسانية لصانعي السلام. ومما لا شك فيه، تعد زيارة البابا الى العراق وفي هذا الوقت بالذات رسالة، يجب أن تعلن للجميع مفادها بأن العراق بلد الأنبياء وارض السلام، وسيبقى العراق بلداً محباً لكل القيم الإنسانية وهذا ما تجلى مؤخراً بلقاء قطبي السلام الإنساني سماحة السيد السيستاني وقداسة البابا.
وعلى العراق ان يستثمر تلك الزيارة بما يعزز تلك النظرة الجديدة وبما ينسجم مع التوجهات الحكومية الهادفة لتغيير الصفة، التي كان عليها البلد من بلد مهدد للسلم والأمن الدوليين ابان العهد السابق الى دولة تتطلع للحفاظ على السلم في المنطقة، ومن يبحث عما تحقق لغاية الآن، يقر بتلك الحقيقة، وعليه لابد من استثمار لنتائج الزيارة المباركة وبما يعود بالنفع على جميع افراد الشعب العراقي، فعلى المستوى الحكومي الرسمي، كانت الزيارة البابوية دعماً للديمقراطية الناشئة في هذا البلد، وبما يسهم في تعزيز مبادئ قبول الآخر والتعايش معه وإحداث التغيير بالوسائل التي تؤدي لتحقيق مصلحة الشعب، وعلى المستوى الاجتماعي هي دعوة للتماسك المجتمعي، بين افراده وبما يعكس قوة ومتانة العلاقات التي تربط افراد الشعب العراقي من الشمال الى الجنوب، وعلى المستوى الإقتصادي هي دعوة لتعزيز وتنمية موارد البلد ودعاية للسياحة الدينية القادمة، فالعراق بلد متعدد ومتنوع الديانات والقوميات وهذا التنوع هو عامل قوة وليس ضعفا وبالتالي فتح آفاق رحبة للتعاون وفتح المجال امام المجاميع السياحية لزيارة البلد والاستفادة من انعكاسات تلك الزيارة والانطلاق من شعار التسامح والتلاحم، بين مكونات الشعب الواحد وفتح صفحة جديدة من اجل تعزيز سمعة البلد خارجيا، وكذلك على المستوى الأمني فهي رسالة واضحة لمدى استتباب الأمن والسلام داخل البلد، وهذا ان دل على شيء فهو يدل على كفاءة القوات الأمنية الماسكة للأرض ومدى جاهزيتها لفرض الأمن، والدليل نجاح برنامج الزيارة البابوية على الرغم من التحذيرات التي اطلقها البعض له من ان البلد يعاني خللاً في الأمن.
هذه الأبعاد يجب ان تكون منطلقاً جديداً للحكومة العراقية في تعزيز علاقاتها مع المحيط الخارجي واستثمار الزيارة البابوية وبما يحقق أهداف البلد.