عبدالامير المجر
في واحدة من روائعه الفنية التي أدان فيها الرأسمالية وما أحدثته من تفاوت طبقي في الغرب مطلع القرن الماضي، يظهر شارلي شابلن (الفقير الجائع) في حفل يحضره اغنياء، وكان احدهم يحمل على كتفه طفلا بيده شطيرة، ووجهه الى الخلف، ليصبح قبالة شابلن الذي يدفعه الجوع الى ملاطفة الطفل ليقضم من الشطيرة وهي بيده!.. قريبا منه كان يقف لص، سرق محفظة نقود احد الاغنياء، وكان يتخفى بين الحاضرين استعدادا للهرب، إلّا انه شاهد شرطيا قربه فظن أنه يلاحقه، ولم يجد
اللص أفضل من الجيب الخلفي لسروال شابلن ليضع فيه المحفظة كي لا يضبطه الشرطي متلبسا بالجرم، واثناء ادخاله يده في الجيب ينتبه الشرطي لذلك ويمسكه، لاعتقاده أنه يريد سرقة شابلن الذي انتبه هو الآخر ومدّ يده في جيبه فوجد فيه محفظة مملوءة بالنقود! ..
احتفل شابلن فورا وطلب طعاما من صاحب المطعم وبعد ان انتهى من الأكل، أخرج المحفظة ليسدد
الحساب.
لكن صاحبها الذي كان يبحث عن سارقه لمحه فأمسك بشابلن من خناقه ونادى على الشرطة، عندها لم يجد شابلن وسيلة للتخلص من المأزق الذي لايدري كيف وجد نفسه فيه سوى الهرب، وتصادف هروبه مع هروب اللص سارق المحفظة الذي تسبب بتوريطه، ليخرجا معا هو واللص الى الشارع يجريان وتجري وراءهما الشرطة لتعيد المحفظة لصاحبها الغني!! الفيلم ينتهي الى مقولة معبرة، وهي ان الواقع البائس صنع فقراء ولصوصا وكلهم ضحايا لسلطة تعمل للحفاظ على أموال الأغنياء بأسلوب القمع
المركب!
هذا الفيلم مرّ عليه أكثر من قرن، وكانت وقائعه تحصل في البلدان التي باتت شعوبها اليوم في رفاهية، لكن المشكلة انتقلت من هناك الى ميدان آخر .. بعض الانظمة في الغرب تريد ان تبقي على حالة الرفاهية لشعوبها وهذا يستدعي صناعة الازمات وإشعال الحروب ودعم التطرف الديني في الشرق لينتهي المشهد عندنا الى خراب، يدفع بالناس للهرب الى الغرب حيث الحياة والأمان... الغرب يعلن الحرب على الارهاب الذي صنعه، وميدان تلك الحرب بلداننا التي تحولت الى خرائب، والنتيجة القمع المركب نفسه، قتلة مصنوعون وفقراء
مهاجرون، وكلهم مطاردون ... ضحايا الغرق اليومي في البحار من النساء والاطفال، فضيحة كبرى وصورة مروعة تعكس خللا اخلاقيا عالميا، وان معالجتها بالمزيد من الضغوط على الدول الضعيفة وتدمير اقتصادياتها بدوافع سياسية، يضع العالم بسياساته وقوانينه على المحك، ولا بد من تغيير.