د. نازك بدير*
سلام، سلام، سلام
لعلّ هذه الكلمات الثلاث التي أطلقها قداسة البابا يوم الأحد 7 آذار في ختام القدّاس الذي ترأسّه في أربيل هي بمثابة تأكيد على إيمانه بفلسفة السّلام طريقا لخلاص الشّعوب، كلّ الشّعوب، من أتون الحرب، والتّفتّح مجدّدًا ليزهر ربيع الحياة، بدلًا من شلالات الدّماء.
ثمّة إجماع على أنّ هذه الزّيارة التّاريخيّة إلى أرض العراق ليست زيارة عاديّة من حيث دلالاتها وأبعادها وآثارها لا على أبناء العراق فحسب، إنّما على الدّول المجاورة أيضًا، وستنعكس بشكل إيجابيّ على الحضور المتنوّع الخصب الذي من غير الممكن أن تستقيم الحياة من دون وجود التّجانس والانسجام في ما بين مكوّناته.
انطلاقًا ممّا تقدّم، يأتي خطاب البابا فرنسيس في محطّاته المتعدّدة في المدن العراقيّة خطابًا إنسانيًّا بالدّرجة الأولى يؤسّس للمصالحة والوحدة بين أبناء الوطن الواحد على تنوّع الطوائف، والمعتقدات، والأهواء.
تحت مظلّة واحدة انضوى العراقيّون،
وما الصّورة الجامعة في مدينة" أور" حيث ترأس قداسته صلاة تجمع ممثّلين عن الطّوائف كافّة سوى خير دليل عن أنّ جوهر الأديان واحد، والله واحد، ومهما تعدّدت طرائق السّالكين إليه، في النّهاية، الجميع سيعودون إلى الله، إله الرّحمة والسّلام.
سار البابا في رحلته مبشّرا بالسّلام، داعيا إلى وقف الحروب: "لتصمت الأسلحة"، مؤكّدا على أهميّة نبْذ العنف، داعيًا إلى المساواة بين مختلف أفراد المجتمع،
واحترام الحريّات والاعتراف بها في كلّ مكان، كما حضّ على السّير" من الصّراع إلى الوحدة". وتكاد الدعوة إلى السّلام تكون بمثابة لازمة في خطاباته، السّلام لا للعراق فقط إنما لكلّ الشّرق الأوسط، ما يشير إلى رؤيته الكليّة والشّاملة والبانوراميّة،
واحتضانه لأبناء المنطقة بأسرهم.
لعلّ ما نحتاج إليه في الوقت الرّاهن هو المحبّة، وروح التّآلف، والعيش المشترك، والتّرفّع عن الخصومات،
وأن نستمع" لمن يبني ويصنع السّلام". البابا لم يأتِ زائرا ليرحل، إذ يمكن القول إنّ الوصايا التي بشّر بها-
ص لما لها من بُعد إنسانيّ وأخلاقي واجتماعي وحضاري- تصحّ أن تكون دستورا يُدَرَّس لهذا الجيل، وللأجيال المقبلة أيضا.
* كاتبة وأكاديميّة لبنانيّة