العراقي

الصفحة الاخيرة 2021/03/19
...

حسن العاني 
لا اعرف عمري على وجه التحديد، فالقابلة المأذونة تزعم انني من مواليد (1920)، ووالدي يقول انني جئت الى الدنيا في ليلة برد وحالوب وثلج أصاب قريتنا، وكان ذلك في كانون الأول عام (1934)، ووالدتي كانت وما زالت تردد على مسامع النسوان انني ولدت عام (1958) وتحديداً بعد يومين على اعلان الزعيم عبدالكريم قاسم رئيساً على العراق، اما الحكومة فقد جعلتني من مواليد (1 /7) وتركت لاسرتي حرية اختيار العام الذي
تفضله!.
على ان الذي اذكره جيداً، انه في يوم يمكن أن يكون أي يوم من أي فصل ومن اية سنة، وانا اغط في نوم عميق بعد نهار قاس من التعب امضيته في حراثة الحقل، كنت مع الثور وحيدين منذ طلوع الشمس حتى مغيبها، ولو نظر احد الينا، لا يميز من هو الثور منا.. في تلك الليلة التي يمكن أن تكون اية ليلة، سمعت طرقاً على الباب، فاستيقظت مرعوباً وغادرت سريري على عجل، غير انهم لم ينتظروا وصولي، حطموا الباب، واقتحموا المنزل واشبعوني ضرباً وشتائم ثم اقتادوني معصوب العينين بحيث لم اتبين وجوههم، ولا الجهة التي اخذوني اليها، والقوني في السجن !، صحيح انا اجهل اليوم والشهر والسنة التي حصلت فيها الحادثة، ولكنني اذكر بوضوح كيف كانت تهاجمني وقت الفجر، مجموعة من الرجال بأجساد متعافية، وتبدأ بتعذيبي من دون أن اعرف السبب، ولا الجهة التي تتولى تلك المهمة- فلا تترك شبراً من اخمصي الى هامتي الا وعليه بقعة زرقاء، واذكر بوضوح كيف كانوا يمنعون عني الطعام أربعة أيام بلياليها وانا اتوسل حتى ابلغ حد الاعياء وفقدان الوعي، وانهم بعد انتهاء حفلة التعذيب يغادرون المكان ويبقى واحد منهم معي، يجلس على كرسي وحذاؤه الايسر على الأرض، وحذاؤه الأيمن فوق رأسي المطروح على أرضية السجن، وهو يتلذذ بتناول الطعام وانا أشمُّ رائحة الخبز واللحم المشوي، واذكر ذات مرة ان قطعة خبز صغيرة سقطت من يده فانحنى عليها ورفعها بين أصابعه، وسمعته يستغفر لان (نعمة الله) وقعت على الأرض، فقلت له [ يا اخ ... لماذا تهتم بكسرة خبز ولا تهتم بانسان مثلي.. أليس البشر هم نعمة الله التي فضلها على اللحم المشوي والخبز الحار ؟!] لم يرد على سؤالي، ومنذ ذلك اليوم الذي اقتادوني فيه وانا ابحث عن تهمتي واسأل عنها : هل يمكن أن تكون مثلا لأنني عراقي ؟!.