سيكولوجيا الشغب حاضرة وعلى مؤسساتنا كبح جماحها

الرياضة 2021/03/20
...

  روما : علي النعيمي
دعونا نعود الى الوراء قليلا للتذكير بالمباراة المثيرة التي جرت بين تشلسي وبرشلونة في العام 2005 التي أدارها الحكم السويدي أندريس فريسك ويومها أشهر هذا الحكم البطاقة الحمراء في وجه مهاجم تشلسي العاجي ديديه دروغبا وكان فريقه متقدماً بهدف مما اثار حفيظة انصار الفريق الإنكليزي الذين عدوا فريسك مسؤولا عن تلك الخسارة،
 في حين ادعى مدرب الكتيبة الزرقاء البرتغالي جوزيه مورينيو أنه شاهد نظيره مدرب برشلونة الهولندي فرانك رايكارد يدخل إلى الغرفة الخاصة بالحكام خلال استراحة ما بين الشوطين للحديث مع الحكم السويدي الذي نفى تلك الواقعة جملة وتفصيلاً ، تلك الاحداث أجبرت الحكم السويدي المسالم "فريسك" على اعتزال مهنة التحكيم نهائياً، بسبب تلقيه وأسرته تهديدات لفظية قاسية وتلميحات مرعبة بالقتل من قبل أنصار فريق البلوز عن طريق الهاتف أو البريد العادي والإلكتروني ويومها اتصل بالشرطة السويدية لحمايته التي بدأت بمراقبة وتتبع ارقام الهواتف و (IP)  الرمز المعرف لأي رسالة عبر الانترنت لأنه شعر بأن حياته و أسرته معرضتان
 للخطر.
 
ظروف مشابهة
هذه الحادثة لا تبتعد كثيراً عن الظروف التي سبقت واعقبت مباراة الشرطة والديوانية وسوف نتوقف عندها ثانية لكن بعد ان هدأت النفوس وبردت العواطف الجياشة وتلاشت هالات الاستثارة والانفعال، لأننا لا نريد ان تتكرر حادثة الحكم السويدي في ملاعبنا وتحديداً مع حكامنا المحليين، لأننا ندرك حجم الضغوطات التي وقعت عليهم رغم الهفوات والاخطاء التي رافقت  قرارات البعض منهم وتأثيرها الكبير في تغيير نتائج بعض المباريات، علماً إن اتهامات العنكوشي للحكم مهند قاسم قبل تلك المقابلة كانت كفيلة بإنهاء مسيرته و حياة الاخرين من حكامنا لأنها تهمة صريحة بالانحياز وتفتح أبوابا امام المشجعين والانصار لتهديد الحكم والنيل من سمعته الدولية ونزاهته على غرار ما حدث مع فريسك لكن بسيناريو ثان وقد فضّل السويدي الاشقر الانسحاب من المشهد الكروي (الاوروبي والعالمي) و آثر الانزواء بعيدا في منزله من اجل سلامة
 اسرته .
 
العوامل الاجتماعية للشغب 
دعونا نعترف من دونَ مُواربة او مُخادعة أو إضفاء صبغة ملائكية على واقعنا، بأن سيكولوجيا الشغب حاضرة بقوة في مجتمعنا الذي يتصف بالنزعة الشبابية وتشكل شريحة الاعمار من  18 ولغاية 32 عاماً نسبة كبيرة من مكوناته  كما ان هذا المجتمع يميل بطبيعته الى التجمعات في الحياة الاجتماعية او المناسبات الرياضية ولاسيما في التشجيع ومناصرة الفرق وأن اي حالة من الهيّاج العاطفي المبالغ به والعزف على نغمة الميول او المظلومية والانحياز، كفيلة بتأجيج مشاعر الجمهور بواسطة ( التنمر الالكتروني من بعد ) واستخدام العنف اللفظي في التعبير وإبداء اعلى مشاعر الكراهية  انتهاءً بالاعتداء الجسدي على الحكام او المدربين على الرغم من غياب الجماهير عن مدرجات
الملاعب.
 
شريحة مستهدفة
كذلك هناك عوامل اخرى لعلها تضرب بشدة تلك الشريحة وتجعلها مستهدفة ضد اي خطاب تحفيزي او متغير قهري يتناغم مع معاناة الفقر والبطالة والتهميش وغياب المساعدات الاجتماعية وسوء توزيع الدخل المحدود ،وغياب الفرص الحقيقية للعمل وندرة التعيين الحكومي مدعومة بعوامل نفسية أخرى تتغذى وتنمو بفضل الشائعات وشحن العواطف لاسيما عند تلك الفئة من الأنصار والمؤازرين، وقد تتضح لنا احيانا من خلال العداوات الخفية والمشاحنات بين روابط المشجعين الكروية فيما بينها وجميعها تجعل من مجتمعنا الرياضي بيئة حقيقية لممارسة العنف والاقصاء وإثارة حالات 
الشغب.
 
دور الحكومة والاعلام
بالتالي فانه لا بد من (الوزارات والقطاعات الرياضية على غرار وزارة الشباب والرياضة بالتعاون مع وزارتي التربية والداخلية ) تكثيف الحزم الارشادية والتوعوية ضد ظاهرة الشغب وتحليل عوامله وقواه الدافعة الخفية التي بدأت تظهر بقوة عبر التنمر الالكتروني والهتافات المسيئة بفعل التحريضات المبطنة من بعض روابط المشجعين وبحضور اللاعبين الذين يتمتعون بجماهيرية كبيرة، ضد الحكام واللاعبين والمدربين عبر متابعة الحسابات الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي وعمل دورات تثقيفية مكثفة بعد أي مباراة مشحونة بمشاركة الاعلام المرئي المهني الذي دائما ما يحاول التنوير والتثقيف واتباع نهج تربوي في النصح والإرشاد بالمقابل بات لزاماً على الاعلام الآخر تغيير سياسته الرتيبة ونزع جلده بثوب مهني اخر بدلا من إذكاء نار الفتنة وادامة المشكلات واثارة الخلافات بداعي الانتشار والتأثير في المتلقي وتكوين الرأي العام من دون أي مناقشات علمية او حتى اجتماعية تمس جذر وعصب المشكلة التي تتجدد بين الحين والآخر  .