الوطنية العراقية

العراق 2021/03/22
...

ابراهيم العبادي
 
يقارن العديد من الباحثين والمختصين بين شخصية العراقي وشخصيات الاخرين من بلدان الجوار، الذين يشتركون معه في الانتماء الديني أو القومي، ويلاحظون فارقا في تمظهرات الانتماء لدى هذه الشخصيات، اذ لايجد الاسلامي الايراني او التركي او المصري تناقضا بين ايديولوجيته الاسلامية مثلا وانتمائه القومي، فاعتزازه بوطنيته وقوميته يجعله يكيف هذا الانتماء فكريا، ولا يقدم مصلحة فوق مصلحة بلاده، بينما يُلاحظ على العراقي انغماسه في (المشاريع الكبرى) واستعداده للتضحية من اجلها، وان كان في موقفه هذا (يخدش) وطنيته أو يزري بها ولا يعيرها مكانة أو قيمة .
تدير بعض الاوساط النخبوية حوارا ومجادلات متعلقة بالاشكاليات المشار اليها،  من دون ان تصل الى نتائج حاسمة، والحسم متعذر هنا بطبيعة الحال، كون العراقيين عموما يعيشون ازمة هوية ويختلفون في تعريفهم لذاتهم الجمعية، وبسبب هذه الازمة يضطرب السلوك السياسي وتتعارض المواقف والسياسات، ويشتد الجدل على الاولويات، فالعراق المتنوع مذهبيا وقوميا واثنيا، والعراقي المتحزب بطبيعته حتى لو لم ينتم لحزب سياسي محدد، يعد بيئة مثالية لنفوذ المشاريع الفكرية-السياسية الكبرى ذات الطابع الاممي، وتتعمق المشكلة حينما يحدث صدام وتعارض بين مصلحتين، مصلحة المشروع الكبير والمصلحة الوطنية. وينقسم الناس تبعا لذلك، ويتصاعد الخلاف لمستوى تهديد السلم الاهلي، هذه القضية تعيد التذكير بمسؤولية الصراع الايديولوجي الذي منع بناء الدولة في العراق، وأسهم بشكل كبير في تعطيل التعافي البطيء من المشكلات المزمنة في الاجتماع السياسي العراقي، اذ تتحمل القوى اليسارية (الشيوعية) والقومية (بجميع احزابها) والاسلامية العراقية النصيب الاكبر من المسؤولية، عن حالة الاستقطاب الايديولوجي وتحويل قضايا المجتمع والدولة الى لعبة افكار ومواقف ثنائية القيمة والجوهر، استنزفت سنين طوالا من عمر اجيال المجتمع
الى ماذا يشير هذا الانخراط المتسارع في جميع هذه المشاريع؟ ولماذا لا نجد حضورا للمشروع الوطني في ثنايا هذه المشاريع الكبرى؟
هذا السؤال يحيل الى المنظومة الثقافية العراقية، فلماذا يشعر العراقي انه معني بحماس بالاهداف الكبرى وينسى معها مصلحة بلاده وقومه أًو يؤخر هذه المصلحة لمراتب متأخرة؟ ولماذا لا يتطابق في هذا الموقف مع التركي او الايراني او الماليزي مثلا، فهولاء وغيرهم تتماهى عندهم مصلحة بلدانهم ووحدتها واستقرارها وازدهارها مع شعاراتهم الاممية ومشاريعهم الايديولوجية.
يتعين ان يعاد التفكير بهذه القضية وتطرح للنقاش الجدي المفتوح، فلا يكفي الادعاء بعلوية مصلحة الدين على مصلحة الجماعات المحلية او الاوطان الصغرى قياسا بالوطن الكبير، وهل فعلا هناك وطن اكبر من الوطن الفعلي؟ وقضية مركزية اهم من مركزية الوطن في السلوك والفعل والعمل والانتماء؟.