ثنائية الصح والخطأ

آراء 2021/03/22
...

  رفيف الشيخلي
الحياة تعلمنا أن المشكلة ليست دائما أن الصح صح والخطأ خطأ، لكننا نجد أنفسنا أحيانا كثيرة في عدم القدرة على فهم الأمر، هل هو صح أم خطأ. أو لنقل، أيهما أصح وأيهما أخطَأ؟ وهذا الاختيار، أو مفترق الطرق يصادفنا في كل مناحي الحياة ومنذ بداية وعينا تقريبا. أيهما أصح، أن أساعد الآخر، أم ألا أكلف نفسي وأقلل من مصروف أسرتي؟ أأختار الفنون أم الفلسفة؟ هل ما أفكر به وأمارسه هو الصح؟ (لماذا لا نسأل أنفسنا هذا السؤال؟ إلا نادرا)
يقول ميلان كونديرا في رواية كائن لا تحتمل خفته: «لا يمكن للإنسان أبدا أن يدرك ماذا عليه أن يفعل، لأنه لا يملك إلا حياة واحدة، لا يسعه مقارنتها بحيوات سابقة ولا إصلاحها في حيوات لاحقة.
لا توجد أي وسيلة لنتحقق أي قرار هو الصحيح، لأنه لا سبيل لأي مقارنة، كل شيء نعيشه دفعة واحدة، مرة أولى ومن دون تحضير، مثل ممثل يظهر على الخشبة من دون أي تمرين سابق، ولكن ما الذي يمكن أن تساويه الحياة إذا كان التمرين الأول هو الحياة نفسها؟ هذا ما يجعل الحياة شبيهة دائما بالخطوط الأولى لعمل فني، ولكن حتى كلمة خطوط أولى لا تفي بالغرض، فهي تبقى دائما مسودة لشيء ما، رسما أوليا للوحة ما. أما الخطوط الأولى التي هي حياتنا فهي خطوط للاشيء ورسم من دون لوحة».
فالحياة، ليست دائما أبيض أو أسود. هناك تدرجات لا حصر لها للون الرمادي. لذلك من الطبيعي أن نخطئ، ونندم على اختيار ما، ونتردد كثيرا في اختيار الطريق الذي سنختاره، ونصحح ما تعودنا عليه، أو نغير بعض أفكارنا وتصرفاتنا. 
ومن البديهي أن هذه الأمور ليست مسطرة ومقياسا، بمعنى أن كل شخص مختلف فيها عن الآخر، كل يرى الأمور بتداخل عدة عوامل، كالتربية، والذكريات والتجارب، والميول الفكرية، والقراءات، ومتطلبات الحياة والتفكير في المستقبل، وهذا يعني قبل كل شيء، أن لا أحد في هذا الكون سيرى الأمور ويتصرف مثل الآخر تماما، إذ من غير المنطقي أن نجد من عاش وفكر وتصرف بالطريقة نفسها تماما، بكل التفاصيل الدقيقة، قد تكون هناك تشابهات، لكنها لا تعني أبدا الشيء 
نفسه. 
لكن، مشكلة الحياة هي حين نُطالب بأن نفكر ونتصرف بمثل ما يراه الآخر صح، والمشكلة الأكبر حين يتم التعامل مع هذه الاختلافات بقسوة، من السخرية، والإقصاء والتهميش وقد يصل الأمر إلى القتل أيضا، إما أن أكون مثلك تفكيرا وتصرفا، وإما أني مخطئة وأستحق كل أنواع
 العقاب!.
مع ان القسوة بكل أشكالها هي دليل على الإحساس بالنقص والضعف، واعتراف ضمني بالخطأ، أن يختلف احدهم مع فكر ورؤية آخر هذا أمر طبيعي جدا، ويمكن التعبير عنه بالنقاش والحوار، من دون فرض إقناع الآخر، لكن أن يتم التعامل معه بقسوة، فهذا لا يدل إلا على أن الشخص أصلا غير مقتنع بما يفعله، ولا يملك مع يدافع عنه من أفكار يحاول بسطها وشرحها، العنف يفضح عدم الاحترام الذاتي للفعل، هروب من المواجهة بمحاولة الإسكات بالقوة. 
وماذا سيفعل أولئك المتعصبون غير المعترفين بحرية الاختلاف، لو جاءهم من هو أقوى منهم وفرض عليهم سلوكا وتفكيرا مختلفا عما هم عليه، بالقوة والقتل؟ القتل بكل معانيه.