ستراتيجيَّة أميركيَّة للخروج من الشرق الأوسط

آراء 2021/03/22
...

 د. قيس العزاوي
 من يطلع على حصيلة التقارير السياسية والدفاعية والستراتيجية الأميركية الاخيرة، سوف يتأكد من دون شك، بأن ادارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن عازمة على القيام بمجموعة من التغييرات السياسية والعسكرية في علاقاتها الدولية عامة وفي منطقة الشرق الاوسط خاصة، تغييرات من شأنها ان تعيد موازين القوى الى ما كانت عليه قبل الحقبة الترامبية السوداء واحداث بعض التحولات في انماط التحالفات .
 وقد سجل جو بايدن بكفاءة عودة بلاده الى عدد من المنظمات والاتفاقات الدولية، واصلح بعضاً مما فسد. وما زالت هناك عقبات لعودة بلاده الى اتفاقات دولية اخرى، وربما تكون ابرز اولويات حكمه هي الحد من تنافس القوى الكبرى مثل الصين وروسيا والاتحاد الاوروبي مع بلاده لقيادة المسرح الدولي.
لقد ضاق بعض الستراتيجيين الأميركيين وبخاصة العسكريون والأمنيون منهم من التمركز الأميركي في منطقة الشرق الاوسط، وقد اسمعوا مؤخراً اصواتهم وقدموا النصائح للرئاسة الأميركية، فعلى سبيل المثال لا الحصر وجدت اللفتنانت كولونيل كريستين ماكفان الخبيرة العسكرية في معهد واشنطن ضرورة العودة الى الستراتيجية الأميركية للدفاع الوطني لعام 2018، التي تجعل الاولوية القصوى للتنافس مع الصين وروسيا وهو ما عبرت عنه ادارة الرئيس بايدن واعلان رغبتها في تحويل التركيز، بعيداً عن منطقة الشرق الاوسط، والاستعداد لمنافسة القوى الكبرى. 
 لقد وجد البعض ان حسابات التكلفة والفوائد في ظل الظروف الاقتصادية العالمية والأميركية خاصة لاستمرار انتشار حاملات الطائرات الأميركية الضاربة في الخليج العربي( جرى إرسال مجموعتين من حاملات الطائرات)، تكلفة باهظة وفائدة مشكوك بوجودها، خاصة حين تعترف الاوساط العسكرية الأميركية بعدم وجود أدلة على أن عمليات الانتشار هذه تردع طهران بالفعل، في وقت يشكل الانتشار ضغطاً كبيراً على البحرية الأميركية، ويخفف الضغط على بكين وموسكو على الرغم من الدعوات المتكررة لإعادة توجيه الاهتمام نحو التهديدات الصينية الروسية، ويمكن للرئيس بايدن الاكتفاء بدعم الامن الاقليمي لدول المنطقة وتحقيق رغبته في تخفيف التوترات مع إيران، مما يوفر فرصة لتغيير الموقف العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، والتفرغ لمواجهة التحديات الكبرى. وينصح هؤلاء بتحويل مراكز «الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع» بعيداً عن الوجود الدائم في منطقة الشرق الأوسط والاعتماد على الأقمار الصناعية وغيرها، لجمع المعلومات وكذلك على إسرائيل في مجال «الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع» والعمل مع دول الخليج لتوفير وتطوير قدرات إقليمية والتحوّل نحو منافسة القوى العظمى.
   بيد ان هناك أصواتا سياسية أميركية مؤثرة اخرى ترى ان الانسحاب الأميركي من الشرق الاوسط، يشكل تهديداً حقيقياً للمصالح الأميركية، فالخبير ديفيد شينكر مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن يرى ان انسحاب الولايات المتحدة من العراق سيقضي على جهود كبح ما يسمى بـ»الدولة الإسلامية» ويؤدي الى تقويض الثقة في حكومة بغداد، وتفاقم الأزمة الاقتصادية في العراق وتسليم البلاد بالكامل إلى طهران، لأن الوجود الأميركي في العراق مصلحة حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة.
على ان المساعد الخاص السابق للرئيس أوباما دينس روس، يرى ان الاهمية القصوى للوجود الأميركي في منطقة الشرق الاوسط والعراق خاصة هي الحيلولة دون امتلاك ايران قنبلة نووية، خاصة بعد ان تطورت خروقات ايران لالتزاماتها امام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فمن معدل تخصيب لليورانيوم لا يتجاوز الـ  4 بالمئة الى تخصيب 20 بالمئة الى قرار ايران الاخير بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، أي أقرب إلى درجة السلاح النووي، كما أن ايران ستبدأ بتصنيع معدن اليورانيوم، في خطوة محتملة باتجاه تصنيع نواة قنبلة. وينصح روس الرئيس بايدن باستخدام القوة في نهاية المطاف لمنع إيران من المضي قدماً نحو صنع قنبلة نووية.
تلك هي بعض الملامح التي تقدم صورة ما ستكون عليه الاوضاع العربية في حالة بدء الانسحابات الأميركية المحدودة من المنطقة العربية، انسحابات ستفرض حقائق جديدة على الارض وعلى الحكومات العربية وسوف تتغير على اثرها انماط التحالفات، مما سيؤثر بالقطع على مجمل النظام العربي، الذي يعاني من عدد لا حصره له من الازمات والخافي
 أعظم!.