الكبت يولّد الانتحار

آراء 2021/03/22
...

   أحمد حسين

تصنيف حالات الانتحار في العراق كظاهرة أمر لا مبالغة فيه، لكن ليست التسمية والتصنيف هي المهمة ولا حتى البحث في الأسباب التي تدفع البعض نحو الانتحار، هي ما يساعد في القضاء على هذه الظاهرة، لأن الأسباب مصنفة منذ سنوات، ولم تتم معالجتها حتى الآن، وما يعيشه الفرد العراقي من ضغوط متعددة ومختلفة، تجعل من السهولة للإنسان البسيط أن يشخص السبب وراء قيام البعض بإنهاء حياتهم.
ما عشناه منذ عقود مضت وحتى وقتنا الراهن لا يمكن تسميته "حياة"، وأعتقد لو أن شعباً من الشعوب المرفهة في أوروبا أو غيرها ذاق نصف الويلات، التي تجرعنا مرارها لأقدم على عمليات انتحار جماعي، لكن يبدو أننا طوّرنا قدرتنا على التأقلم وامتصاص الضغط، كما يطور أي كائن آخر إحدى خصائصه لكي يحافظ على بقائه في الظروف الصعبة، يبدو الأمر كذلك في نظري.
أحياناً أتساءل مع نفسي أي الحقبتين أشد فتكاً بالعراقيين، الحالية أم تسعينيات القرن الماضي والحصار الاقتصادي، الذي أطاح بالطبقة الوسطى وسحق الطبقة الفقيرة وأباد من هم دون خط الفقر؟، أظن أن تلك كانت أقسى علينا من هذه، لكن لم نسمع بتفشي ظاهرة الانتحار في ذلك الحين كما نلاحظها الآن، ربما بسبب أحادية وسائل الإعلام الخاضعة للنظام الدكتاتوري الحاكم، وقد تكون هذه الأخبار من المحظورات في حينها لكي لا تمس الصورة الجوفاء له، هذا الأمر وارد جداً، لكن أيضاً لم تكن هذه الأخبار منتشرة عبر التناقل الشعبي والاجتماعي.
ما أثار انتباهي هو أعمار المنتحرين ومن حاولوا الانتحار وتم إنقاذهم في اللحظات الأخيرة، غالبية هؤلاء من مواليد التسعينات فما فوق، وهذه الأجيال حتى التسعينية منها، وعيها من نتاج الانفتاح الإعلامي ما بعد سقوط النظام السابق، ولو دققنا النظر في وعي وفكر هؤلاء سنجد أنهم يميلون أكثر إلى الحلول الحاسمة، ولا أقصد هنا التقليل من شأنهم ولا انتقادهم بأي شكل من الأشكال، كما أنني لا أجعل من نفسي محللاً اجتماعياً، لكنني فقط ألفت النظر إلى أمر قد نتجاهله أو لا نضعه في الحسبان، فعلينا ألا نستخف بكلمة تهديد تصدر عن هؤلاء فهم لديهم الجرأة على تنفيذها، وهذا من نشهده يومياً في العراق، علينا تغيير طريقة تعاملنا مع هذه الأجيال حفاظاً عليهم وعلى قلوب التي تطعن كل يوم، وعلينا أيضاً أن نراعي أننا منذ عقود من الزمن وحتى الآن نعيش كبتاً فظيعاً، من السهولة أن يؤدي إلى الانهيار بشكل تدريجي طويل أو قصير الأمد.