أصول الضعف!

الصفحة الاخيرة 2021/03/22
...

جواد علي كسار
أعترف بأن الإشارة إلى المفكر والمؤرّخ السياسي العراقي الراحل د. علي كريم سعيد (توفي بمنفاه بدمشق 26 شباط 2003م) كانت تشغلني منذ أمدٍ بعيد، وتصرفني عنها الشواغل كلما هممتُ بذلك.
لا يحتاج علي كريم سعيد إلى مناسبة، فتكفيه كتبه، لاسيّما كتابه ـ الأطروحة: «أصول الضعف: دراسة في الميل العربي المشترك»، فهذا ليس كتاباً عادياً يُقرأ ثمّ يأخذ مكانه في أحد رفوف المكتبة، بل هو نظرية ركز فيها المؤلف الأضواء، على الضعف الذي يعيشه الإنسان العربي وتعاني منه المجتمعات المسلمة، بصفته «ميلاً» أي ثقافة مشتركة، نلمسها في الواقع المعيش للمجتمعات العربية 
جميعاً.
لقد قدّم علي كريم سعيد تحليلاً نفسياً وثقافياً لهذا «الميل المشترك» ليكتشف له أضلاعاً ثلاثة يتقوّم بها، ويتحوّل من خلالها إلى ثقافة عامة وسلوك مجتمعي، هي التاريخ والغرب والحاضر نفسه، على ضوء ذلك لا يرى كريم مبرّراً لتحليل حالة الضعف والتخلف التي تسود مجتمعاتنا، على أساس التحدّي الغربي وحده، بل إلى جواره أصول الضعف الموروثة من الماضي، معزّزة بفكر التبرير المعاصر، سواء تمثل في مؤسّسات ثقافية أو مشاريع 
فكرية.
مع ذلك ليس الكتاب دراسة في التأريخ، وإنما هو استلهام من التأريخ لتأسيس رؤية تفيد، بأن أصول الضعف التي تشكّل اليوم ميلاً مشتركاً يعمّ مجتمعاتنا، تعود بعض جذورها إلى الماضي، واليوم بدلاً من أن يأتي المفكر المعاصر وحامل الرأي في بلادنا، ليخلّص المجتمعات من آثام تلك الأصول، ويستأصلها من العقول والنفوس والوجدان، رأيناه يعزّزها بتنظير يتسمّ بالكثير من الحذاقة، ومناهج تبرز فيها المهارة والذكاء، ترسيخاً لأصول 
الضعف!
قد يقال ان الأطروحة ليست جديدة، والأمر كذلك. بيدَ أن ما يجذبنا إليها، هي الروح الجريئة المتوثّبة التي يتحلى بها الكتاب عامة، إذ أعتقد أن الخلاصات التي انتهى إليها كريم سعيد اجتماعياً، تضع صاحبنا ابداعياً على خطّ واحد مع الراحل علي الوردي وأضرابه.