زمن مؤيد البدري!

الرياضة 2021/03/23
...

علي رياح  

في زمن مؤيد البدري ، كان وجود قناة تلفزيونية واحدة ، بالأبيض والأسود حدثا له قيمة بما تشيعه من مثل فنية ورياضية وثقافية .. واليوم يصبح الفضاء متاحا لكل من هبّ ودب ، لكل من لا يفقه مفردات العمل التلفازي ، كي يخترق الأجواء ويدخل البيوت لينشر قيم الابتذال والتسفيه المتعمد لكل قيمة عليا في الحياة.  
في زمن البدري كانت فقرة نقدية تلفزيونية قصيرة في برنامج له سمعة مدوية مثل (الرياضة في أسبوع) ، تطيح مدربا ومسؤولا ، وترفع رياضيا مبدعا يجد نفسه صبيحة اليوم التالي وقد تحول إلى بطل قومي تحيط به كل معاني الفخر والاعتزاز ، وتلاحقه نظرات الإعجاب في المحلة والملعب  .. وفي زماننا الذي نعيشه اليوم ينفلت الأمر فتظهر على الفضائيات عشرات من البرامج السياسية والثقافية والفنية والرياضية التي تدّعي أنها تعالج قضية ، ولكنها أبعد ما تكون عن الاتزان والموضوعية!  
في زمن البدري كانت قامة سامقة من طراز كامل الدباغ وابتسام عبد الله وخيرية حبيب ولمى سعيد تسكن الشاشة برفق وترفـّق ، فنحظى ببرامج تلفزيونية مازالت تمسك بالذاكرة من فرط بساطتها على ما فيها من عمق وخلق .. وفي زماننا تمرّ الوجوه كل ساعة فتغادر الذاكرة والوجدان كما لو أنها طيف عابر لا سبيل الى استبقائه في العقول ، ولا أمل في استعادته لدى محاولة البحث عن شيء .. أي شيء!  
في زمن البدري كان الناس ينهبون جريدة واحدة مثل (الملعب) أو (الجمهور الرياضي) أو (الرياضي) من على دكة عمنا الغالي (أبو رحيم) في حي الحرية ، فنمرّ ونحن في طريقنا الى المدرسة عند السابعة والنصف صباحا ، فلا نجد أثرا للجريدة التي نفدت وتطايرت نسخها لدى عشاق القراءة الرياضية وهم ينتقلون إلى دوائرهم في حافلات نقل الركاب ، فنضطر في المرة المقبلة إلى (الاشتراك) كي لا تضيع الجريدة ونهدر فرصة قراءتها من هيدها الثابت إلى آخر كلمة لشاكر إسماعيل أو ضياء المنشئ أو أحمد القصاب .. واليوم صرنا نصدّر إلى الناس جرائدنا وكأننا نصدر لهم الهمّ المقيم ، وغالبا ما تعود إلينا نسخنا بعد أن تنتظر خجلا وترقبا لمن يتلقفها من ورطتها على مصاطب البورصة .. تعود كأنها السهام الطائشة التي نسددها فترتد الى نحورنا!  
في زمن البدري ، كان الصحفي أهم من أي مسؤول .. كلمته حد فاصل بين واقع وواقع .. كانت فرائص المسؤول الرياضي ترتعد لكلمة يكتبها إبراهيم إسماعيل أو ضياء حسن أو عبد الجليل موسى ومن هم على طرازهم ، فالويل والثبور لمن يتناوشه أحدهم ولو بخمسة سطور نقدية .. عندها تضيق السبل ويتثاقل المشهد بكثير من السوداوية والظلام . وفي زماننا يحرك (أوهن) مسؤول أصابعه (المُفطـّرة) كي يأمر الصحفي في ما يكتب أو يقول .. غالبا ما يطلب المسؤول مقالة مطولة كأنها ليل الظالمين ، تصفية لحساب مع مسؤول نظير أو منافس!  
لقد تبدّلنا .. لقد تحوّلنا .. لقد تغيّرنا .. اختلف الذوق .. ضاع التذوّق .. على السطح تطفو العملة الرديئة لتطرد ما كنا نعدّه عملتنا الثمينة..  أهدرنا طريق الرائدين في الرياضة .. وأضعنا خطى مؤيد البدري الذي تمرّ اليوم ثمان وخمسون سنة على ولادة برنامجه العظيم (الرياضة في أسبوع) .. إنها ذكرى تشبه العشق الأول في كل ذاكرة حيّة!