الهرمنيوطيقا.. أفق الانتشار وجزيرة الوهم

آراء 2021/03/23
...

  د. ناجي الفتلاوي
تحول كثير من المسلمين في جهدهم العقلي الى شبيه التوابع في اللغة، مستنسخين تجربة التبعية للغرب بأعلى أس لها ومصداق لمعادلة طرفية الحضارة ومركزيتها وبديهية تبعية الطرف الى المركز في كل شيء.
حتى في سقطاتهم ونظرياتهم (انظر الى تجارب العلمانين العرب) التي تم التعاطي مع فحواها تعاطيا لا يقبل القسمة على اثنين، ومن جملة ما يرمى اليه من السطور اعلاه، سقوط الاعم الاغلب في جاذبية نظرية نسبية المعرفة بما لها من مدارات وتموجات، ما جعل ابناء حضارة النص يروجون لها اكثر من ابناء حضارة التأمل (كما هو مشهور)، بل ومما زاد في الناقوس رنة فقد باتت التنظيرات التي تخرج من فوهات اقلامهم (جل المفكرين و الباحثين و الاكاديميين) تزيد على فرسان الكوجيتو الديكارتي والوهم الفرويدي والدين العقلي لكانت، فتراهم ينافحون عنها اكثر ممن اولدها ورسم لها مسارا ووضعها فيه، متكاسلين في تتبع الجذور الحقيقية لأوليات النظرية، متغافلين عن ركائز الرد عليها، ولو سألت عن جل ممن يتحدث عن مقصدها الدقيق لتجده ممن يسبحون في بدايات جرفها، بل ويحبس نفسه في تعريف يتيم لها، من دون ان يكلف نفسه في البحث بين ثنايا ما لديه من تراث اسلامي (نصوصا واحاديث وروايات وتحليلات)، ولنعطِ مثالا بسيطا عن الاعجاز المنسوب لديكارت في اشهر ما لديه (انا افكر انا موجود)، منطلقين من امر بديهي تناساه او غفل عنه الاعم الاغلب، ولنقف عند الجزء الاول (انا افكر) فاننا سنجد فاعلية التفكير مسبوقة بـ(انا) الوجود، وهذه بدورها كانت فاولدت ملكة التفكير، وهذا ما وصلت اليه عجوز في الجزيرة العربية عندما تحدثت عن العلة والمعلول مواربة وليس تصريحا،عندما تمَّ سؤالها عن وجود الله (بعرة تدل على البعير واثر يدل على المسير أ فسماء ذات ابراج وارض ذات فجاج لا تدل على الواحد القدير).
ولكن بدا للكثير ان سعة الانتشار منحت هذا الكلام (الكوجيتو الديكارتي) نوعا من خلود الرسالات، وكأن العقل المبصر لصراطات بشرية عدة قد وقع على صك قبول الافكار والنظريات شرط بقائها على دكة الزمن فاعلة منفعلة، متناسين صراط الله المستقيم المدعوون للاهتداء به (اهدنا الصراط المستقيم)، وهذا ما جعل العقل في دائرة الاتهام ولا اقصد هنا فاعلية العقل السابح في مجال التحليل ومحيطات الدليل والمنتقل من جزيرة البداهة والاعتياد الى مدينة التساؤل الموصل الى ضوء الحكمة.