التطورات السياسيَّة في ليبيا وقمة عمان الثلاثيَّة

آراء 2021/03/25
...

 عبد الحليم الرهيمي
 
شهدت ليبيا منذ ثورة 17 اكتوبر- تشرين الاول عام 2011 والإطاحة برئيسها معمر القذافي في العشرين من الشهر ذاته تطورات سياسية وأمنية هددت وحدتها الجغرافية والاجتماعية وسيادتها الاقليمية، فأصبح لديها مجلس رئاسي يديره المهندس فايز السراج الموالي للرئيس التركي اوردغان في غرب البلاد، ومجلس نواب منتخب يرأسه عقيلة صالح ومعه حكومة مؤقتة والجنرال خليفة حفتر ومقرهم في طبرق في اقصى شرق البلاد.. هذا فضلا عن تواجد مجموعات مسلحة داخلية وخارجية وافدة يرتبط بعضها بتنظيمي القاعدة وداعش.


وفي محاولة اممية لفك الاشتباكات ووقف الصراعات الدموية وتحقيق، ولو قدر من المصالحة الوطنية، أقله، مع الجماعات والكيانات الوطنية المتقاربة، كلف الامين العام للأمم المتحدة ستة ممثلين له على التوالي للقيام بتلك المهمة المستحيلة. وكان الممثل قبل الاخير للأمين العام للأمم المتحدة هو الدكتور غسان سلامة المثقف ووزير الثقافة اللبناني الاسبق وعضو الوفد الاممي الذي قدم الى العراق بعد العام 2003 برئاسة الدبلوماسي المخضرم الاخضر الابراهيمي، وذلك بتكليف من الامين العام للأمم المتحدة، غير انه لم ينجح، وقيل انه فشل في اداء مهمته الصعبة، فأعلن عن استقالته بتغريدة مبررا ذلك لاسباب صحية وذلك في 7 - 3 - 2020 فتسلمت بعده بأيام وبتكليف من الامين العام الدبلوماسية المخضرمة من اصل اميركي السيدة (ستيفاني وليامز) والتي وصفها الدبلوماسي ووزير الخارجية الليبية الاسبق وممثلها في الأمم المتحدة عبد الرحيم شلقم (بأنها الساحرة التي اخرجت من جيوب دهائها جسم رباعي الاعضاء يقوده رأسان هما محمد المنفي رئيس مجلس الرئاسة الجديد وعبد الحميد دبيبة رئيس مجلس الوزراء). لقد توصلت ستيفاني الى حل (مناسب) وإن وصفه البعض بالهش، بعد جهود ولقاءات وحوارات كثيرة مع الافرقاء المعنيين طيلة عام منذ تسلمها مهمتها بعد استقالة غسان سلامة. وقد اسفرت جهودها تلك عن دعوة واشراك ممثلي جميع الاطراف للاجتماع في جنيف وعددهم 75 عضوا، وذلك في 5 - 2 - 2021، وقد اختار المجتمعون مجلسا رئاسيا من ثلاثة اعضاء برئاسة محمد المنفي واختيار رجل الاعمال الليبي عبد الحميد دبيبة وتكليفه بتشكيل الحكومة، وفي 15 من شهر اذار- مارس الحالي ادى قسم اليمين امام اعضاء البرلمان الذي يرأسه عقيلة صالح كل من رئيس واعضاء مجلس الرئاسة ورئيس الحكومة واعضاء حكومته على اداء مهماتهم على اكمل وجه حتى اجراء الانتخابات التشريعية في نهاية العام الحالي 2021.
ويرى المراقبون الذين يرصدون هذه التطورات في الوضع الليبي بدقة، ان الوضع الدولي يحدو نحو خطوات التطور السياسي الليبي الان لإبراز المشروع السياسي الوطني الكبير على سطح الواقع الذي يقتضي تعبئة كل الامكانات للاستحقاق الانتخابي المقبل بوصفه بوابة الاصلاح والاستقرار.
استقبلت هذه التطورات في ليبيا بتأييد كل من مصر وتونس فضلا عن دول الخليج العربية ودول شمال افريقيا، لكن الامر المهم اللافت هو سفر الرئيس التونسي قيس سعيّد الى ليبيا عبر مدينة مصراتة غداة الانتهاء من التصويت على مجلسي الرئاسة والحكومة في ليبيا وكان الاستقبال ودياً وحاراً بعد انقطاع عن اخر زيارة قام بها الرئيس التونسي المرزوقي الى ليبيا في العام 2012.
وبطبيعة الحال فإن السرعة التي توجه بها الرئيس التونسي سعيد الى ليبيا ورحبت بها مصر والعديد من الدول العربية الاخرى انما يشير كل ذلك الى حدوث تحول ستراتيجي مهم بمنطقة شرقي السويس، والرهان على امكانية خروج ليبيا من التدخلات الاقليمية المزعزعة لأمن واستقرار دول المنطقة لاسيما مصر وتونس ذاتها. ولعل توجه الرئيس التركي اوردغان لمصالحة مصر وتطويق نشاطات حركة الاخوان المعارضة لمصر في تركيا وسحب نحو 6 الاف سوري مرتزق من ليبيا واعادتهم لشمال سوريا هي احد مؤشرات تراها دول المنطقة كبيرة الاهمية.
أما ما يعني العراق ومحط اهتمامه من هذه التطورات فيفترض ان يتجلى في عدة مستويات اهمها: الاستفادة من رفع يد تركيا عن ليبيا بالاستقواء من وجودها هناك على دول اخرى في المنطقة ومنها العراق، وتبديد القلق المصري على أمنه من ليبيا المضطربة وهو الامر الذي سيقوي دورها في دول قمة عمان الثلاثية التي تأسست في 25 اب- اوغسطس من العام الماضي بما سيمكن مصر من التنسيق مع دولتين مهمتين جارتين لها هما ليبيا وتونس، وهذا سيوسع من نطاق دور قمة عمان الثلاثية الى تجمع او تحالف عربي اقليمي اكبر يمتد من (المشرق العربي الجديد) الذي تحدث عنه رئيس الحكومة العراقية في تلك القمة الى تجمع اوسع قد يتمكن العراق من ان يضم الى اطاره بعض دول الخليج العربية، لتقوية جبهة الدول المحاربة للارهاب ولتوسيع نطاق التنسيق الامني بينها، فضلا عن تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتكامل بينها بمختلف
 المجالات.