سلام مكي
خلّف قيام مجلس النواب، بإصدار قانون تعديل الأمر 30 لسنة 2005 الخاص بالمحكمة الاتحادية، جدلا قانونيا وشعبيا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الأخرى. والمتابع لتلك الردود، يمكنه أن يستبطن دوافعها، التي تراوحت، بين رافض للقانون، الذي تجاهل النص الدستوري الذي ينص على وجود فقهاء ضمن تشكيل المحكمة، وبين مؤيد للخطوة التي خطاها مجلس النواب، بعد وصول الخلافات الى طريق مسدود، ولا يمكن معه التوصل إلى حل على المدى القريب، فاختار المجلس الحل الأسلم، في ظل الحاجة الملحة لإعادة الروح إلى المحكمة الاتحادية لضمان سلامة العملية الانتخابية المرتقبة. والمؤيدون لهذه الخطوة، يرون أن وجود فقهاء شريعة وفقهاء قانون ضمن تشكيلات المحكمة أمر يؤدي إلى اشكالات كبيرة على المستويات كافة.. الجدل الذي أثير ومن قبل مختصين بالذات، والاعتراض على خطوة مجلس النواب، كانت تنصب على عدم تضمين المحكمة خبراء في الفقه الاسلامي وفي القانون، حسب ما نصت عليه المادة 92 ثانيا من الدستور، وبعضهم صرح بأن تشكيل المحكمة وفق التعديل هذا، يعني أن جميع القرارات التي تصدر عن المحكمة لا قيمة لها، كون أن المحكمة مخالفة للدستور.. ولعل الاعتراض يأتي من باعث غير قانوني، نابع من الخلفية العقائدية والسياسية للمعترضين، ذلك أنهم يتصورون أن وجود خبير في الفقه الاسلامي، بمثابة حارس أمين على سلامة القوانين وعدم معارضتها لأحكام الاسلام التي لا ينبغي أبدا تشريع قانون يعارض ثوابت الاسلام، لأن المادة 2 أولا أ من الدستور نصت على عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت الاسلام. ووجود الفقهاء يعني أن ثوابت الاسلام في أمن وأمان..
ولكن ثمة ما هو أخطر من تجاهل خبراء الفقه والقانون، ثمة نقاط أخرى في القانون، تجاهلت مسألة مهمة نص عليها الدستور، ولها أهمية كبيرة وخطيرة في العمل الاداري والسياسي والقضائي، وهي مسألة اختصاص المحكمة الاتحادية في الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء.. المشرع، نقل النص الموجود في الدستور، إلى القانون، لكن ليس حرفيا، بل حذف منه أهم وأخطر ما فيه، وهي عبارة "وينظم ذلك بقانون". فللمحكمة الاتحادية اختصاص مهم وهو النظر في الاتهامات الموجهة إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء ورئيس الجمهورية، ولكن هذا الاختصاص، لا ينعقد إلا بعد أن يشرع قانون للمحكمة، سواء كان قانونا مستقلا أو ضمن قانون المحكمة. التعديل تجاهل هذا الجانب، ونص على الاختصاص من دون أن يأخذ بنظر الاعتبار أنه اختصاص ينظم بقانون، فلم يتم تحديد الآليات التي يتم من خلالها كيفية محاسبتهم. وهذا يعني أن هذا القانون، تجاهل جانبا مهما من الدستور، أكثر خطورة وأهمية من مسألة الخبراء. فالوزراء معرضون للخطأ كونهم بشرا، ولا بد من وجود نص لمحاسبتهم قانونيا، وتعطيل النص هذا، يعني تحصينهم. من المساءلة القانونية.