ضابط إيقاع

الصفحة الاخيرة 2021/03/30
...

سامر المشعل 
تتكون الموسيقى من نغم وايقاع، ويتصور البعض أن الايقاع هو الذي يضبط الزمن في الموسيقى ويحدد طبيعة سرعة الاغنية، هذا الكلام صحيح، لكن لا تنحصر مهمة الايقاع بهذا الامر وحسب، انما الايقاع هو العمود الفقري للاغنية، وهو جانب مهم في عملية التلحين، بل هو ركن اساس من عملية الابداع الغنائي. 
الثراء الغنائي يعتمد على تعدد المقامات والايقاعات، وقد زخرت الموسيقى العربية، بتعدد الايقاعات في الغناء، لكن في الآونة الاخيرة، نلاحظ أن هناك فقرا حادا باستخدام الايقاعات، واخذت تنحصر بعدد محدود، يحسن عزفها، بينما التراث العربي كان ثريا بالايقاعات ذات الاوزان الكبيرة التي تصل في بعض الموشحات والادوار الى 20 ، ومن الايقاعات التي كانت سائدة: الجورجينا، السماعي الثقيل، المصمودي، الدور الهندي، الاوفر، السماعي اقساق، النواخت، الوحدة الكبيرة.. وغيرها.
الايقاع يدخل في صلب عملية التلحين وهناك ملحنون يختارون نوع الايقاعات المستخدمة المناسبة للنص الشعري، ثم يضيفون الجمل الموسيقية ونوع المقام، ومنهم الملحن العراقي شاكر حسن، لأنه بالاساس عازف ايقاع.
يقول عازف الكمان الشهير سامي الشوا في كتابه “القواعد الفنية في الموسيقى الشرقية والعربية” : “ومع تضييع الايقاع، اضعنا نصف موسيقانا!”.
السبب وراء ضياعنا للثروة الايقاعية، هو بالدرجة الاولى ان الجمهور أخذ يتجه الى الرقص وليس السماع، أي اننا فقدنا ثقافة السماع، فالجمهور العربي كان يعد حفلة أم كلثوم طقسا روحيا مقدسا، يسلطن بسماع مبجل، وبامكانك أن تسمع صوت الابرة مع وجود آلاف الحضور. اما الان فلا يحلو للجمهور الحديث واطلاق النكات، الا مع صوت المطرب، ويأتي للحفل كي يرقص، والمطرب الجيد هو الذي يرقص على صوته الجمهور أكثر، بنظر متعهدي الحفلات.
السبب الاخر لغياب الايقاعات التي كانت تستخدم في الاغنية العربية هو ضعف ثقافة الملحن والمطرب والى حد ما الموسيقي، وربما احدهم يقول: ان عصر السرعة هو الذي فرض الايقاعات السريعة، هذا الكلام يبدو مقنعا للبعض، لكن في حقيقة الامر، ان لهاثنا وراء الصرعات الغربية، وجهلنا بتراثنا هما اللذان حددانا ونمطانا بهذه الايقاعات، وهناك اغان “سلو” تقدم بهذا العصر وليست جميعها سريعة.
الامر المحزن حقا، ان الكثير من المطربين عندما يعيدون الاغاني التراثية، يتعمدون تغيير ايقاعها، بايقاع آخر سريع، هذا مع غياب شبه تام من قبل وزارة الثقافة والمؤسسات المعنية بالتراث في اقامة مهرجانات ثقافية وفنية للمحافظة على روح وهوية الغناء التراثي العراقي. في وقت نجد ان الكثير من الفنانين من شعوب اخرى يتجهون الى الاطلاع على الايقاعات المستخدمة في الموسيقى العربية وبفضول معرفي.
المضحك المبكي أن أكثر شخص ناله الاستهزاء والتنمر هو عازف الايقاع، واصبحت كلمة طبال أقرب الى الشتيمة، بينما كان الطبال قديما هو “ضابط الايقاع” وهذه التسمية دقيقة جدا، ففي التخت الشرقي كان الطبال يأخذ دور المايسترو، الذي يضبط ايقاع الفرقة الموسيقية، لان الاغنية العربية هي ليست هارمونية انما تعتمد على جمالية التنقل بين المقامات والايقاعات.