ماذا بعد الاتفاق الصيني الإيراني؟

الرياضة 2021/03/31
...

محمد صالح صدقيان 
 
لم يكن الرئيس الأميركي جو بايدن مخطئاً عندما قال إنه “قلق” بشأن الاتفاق الصيني الإيراني، وإن هذا “القلق” كان يراوده منذ أكثر من عام. بايدن في هذا التصريح المقتضب بشأن الاتفاق كان يشير بوضوح الى ما سببه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من فقدان الثقة لدى المجتمع الدولي تجاه السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة ليس مع دول الشرق الأوسط وإنما حتى مع أقرب حلفائها في أوروبا والعالم.
إن الزاوية التي حشر فيها الرئيس ترامب إيران بعد انسحابه من الاتفاق النووي وفرضه لعقوبات كانت سابقة في تاريخ الولايات المتحدة - كما عبر عنها - دفع ايران لتسريع تعاملها مع الدول الآسيوية الذي تمخض عن التوقيع على “برنامج العمل الستراتيجي” مع الصين، وهي خطوة لها الكثير من الدلالات والانعكاسات على مسار التطورات الاقليمية والدولية .
منذ أن فاز الرئيس بايدن في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 3 تشرين الثاني الماضي وإيران تنتظر قيامه بخطوات عملية من أجل إحياء الاتفاق النووي المسجى في غرفة العناية المركزة منذ انسحاب الرئيس ترامب من هذا الاتفاق عام 2018، ربما تكون إدارة الرئيس بايدن معذورة في تباطئها باتخاذ إجراء عملي تجاه إيران بسبب عدم استكمال فريقه الوزاري، لكنها لم تستطع أن تعطي إشارات إيجابية لإيران بعزمها العودة للاتفاق النووي جراء الرغبة في الاستجابة للضغوط التي يمارسها الكيان الصهيوني من أجل طرح عدة شروط تتعلق بالقوة الدفاعية الإيرانية أو نفوذها في المنطقة.
ما تم التوصل إليه بين الصين وإيران هو “خارطة طريق” للتعاون الستراتيجي في المجالات المختلفة، ومهم جداً الاشارة الى أن التوقيع بين وزيري خارجية البلدين تم على “وثيقة” وليس “اتفاقية” أو “معاهدة” وأن أيا من هذه المصطلحات لها دلالتها في القانون الدولي وفي الالتزام الثنائي، وهذا يعني أن الباب لم يغلق أمام الدول الغربية لإعادة النظر في سلوكها حيال إيران التي تجد نفسها قد خدعت من قبل الولايات المتحدة وأوروبا في عدم تنفيذ الاتفاق على الرغم من إيداعه في مجلس الأمن الدولي وصدور القرار 2231 الذي احتضن الاتفاق النووي.
“خارطة الطريق” الإيرانية الصينية هي انعكاس واضح لفشل السياسة الأميركية في المنطقة، وهي كذلك تحد واضح للولايات المتحدة سواء من الجانب الإيراني أو من الجانب الصيني، حتى لو كانت اليافطة العريضة لها هي الاستثمار في المجالات الاقتصادية.
يبدو لي أن العلاقة الإيرانية الصينية وضعت على سكة واضحة وهي خطوة أولى ستتبعها خطوات، لأن أي “اتفاق ستراتيجي” بهذا الحجم يستوجب التوقيع عليه من قبل جهات أرفع من وزراء خارجية، وهذا ما أتوقع حدوثه في مرحلة لاحقة، لكنه بالتأكيد أعطى طهران قوة “جيوسياسية” وأخرى “جيو اقتصادية” إقليمية ودولية كافية لتكون ورقة نوعية في التفاوض المحتمل مع الولايات المتحدة من أجل إحياء الاتفاق النووي، وهي كذلك مؤشر من مؤشرات مرحلة ما بعد كورونا التي قلنا في مقال سابق إنها تختلف عما قبلها .
علي لاريجاني، المعين من قبل مجلس الأمن القومي الإيراني للإشراف على “خارطة الطريق” الإيرانية الصينية باشر عمله ميدانياً من أجل إيجاد الأرضية المناسبة لدخول الصين في ميناء “جاسك” المطل على بحر عمان وفي المناطق الحرة الإيرانية المتناثرة في الاتجاهات الأربعة.
هذه الخارطة وإن كانت قد حددت المدة لـلـ “25 عاما” القادمة، لكنها تشمل جميع المرافق الوزارية الخدمية والصناعية والتقنية اضافة الى الجوانب العسكرية والأمنية، وبذلك فهي تتطلع الى ربط العجلة الايرانية المنتجة بأقوى قوة اقتصادية نامية ومتصاعدة في العالم، خصوصاً أن السوق الإيرانية الواعدة والمتعطشة للاستثمار يسيل لها اللعاب الصيني ويمنحها التأمين على حصولها لما تحتاج اليه من النفط والغاز والمواد البتروكيماوية، مقابل تأمين إيران لسوقها النفطية على مدى 25 عاماً القادمة .