برامج حواريَّة من دون حوار !

الصفحة الاخيرة 2021/03/31
...

رضا المحمداوي
 
 
يؤدي مُقدِّم أو مُقَدِّمة البرامج وخاصةً الحوارية منها على وجه الخصوص وظيفةً مهمةً ومركزية، اذ يؤدي دور الداينمو المُحرّك للبرنامج، وتقعُ عليه مسؤولية القبطان الذي يديرُ دفّة البرنامج في سيل هائل وواسع من الأفكار والآراء ووجهات النظر المتقاطعة والانطباعات الشخصية المتباينة، لينتهي البرنامج بتقديم تلك الخلاصة المعرفية الناتجة عن سبر أغوار شخصية الضيف وتقديم خبرتها الحياتية والمهنية بتلك الحيوية وذلك التفاعل إلى المُتلّقي لغرض الاستفادة منها.
وقد شاهدتُ في المدة الأخيرة بعض هذه البرامج الحوارية، لكن من دون أن يكون هناك مُقدِّم أو مُقدِّمة للبرنامج لغرض إدارة الحوار المُفترض!.
ومن بين هذه البرامج برنامج "ذاكرة فنان" لمعدّه رحيم عبود، ومخرجه محمد سلمان الونداوي، وتعرضه قناة " العراقية"، وكذلك برنامج " حكايتي" لمعدّه القاص والروائي خالد الوادي، ومخرجه ضياء المالكي وتعرضه قناة 
(inews).
وفي بداية التقييم النقدي أتساءلُ: لماذا يضعُ صانعو هذه البرامج ومثيلاتها أنفسهم في هذا المأزق الفني؟ وهل هناك ضرورات أو مستجدات فنية أمْلَتْ عليهم هذا الاسلوب القائم أساساً على إلغاء مُقدِّم البرنامج ؟ وما هي الغاية المرجوة من هذا الغياب غير المُبرر؟.
وفي ظل انعدام مُقدِّم البرنامج، فان العبء الثقيل والرئيس سيقعُ على ضيوف هذه البرامج من الفنانين والأدباء وغيرهم، اذ يبدأ الضيف بالحديث عن نفسه من خلال سؤال افتراضي يستنتجهُ المُشاهد من خلال حديث الضيف نفسه مع الكاميرا مباشرة (وليس عن طريق الحوار معه) والذي يمتد لساعة تلفزيونية أو نصفها وهي مساحة زمنية طويلة بحساب وجودها على الشاشة، وبهذه الطريقة ستبدو هذه البرامج أقرب ما تكون إلى برامج التحقيق البوليسي التي تلتقي بالمجرمين من دون أنْ يظهر الشخص المحقق !.
وسرعان ما يتسرّبُ الملل والرتابة إلى نفوس المُتلقين مع استمرار صورة الضيف الثابتة والجامدة وهو يسردُ الحكايات والتفاصيل والوقائع، خاصةً إذا غابَ عن المعالجة الإخراجية حضور المعادل الصوري أو التقارير المصورة الفاصلة أو المرافقة للحديث الطويل للضيف.
ولا بُدَّ من الإقرار هنا، بأن هذا الاسلوب في الإخراج الفني لا يحملُ معه ملامح أو مواصفات أو بوادر نجاح فني يُذكر، بل العكس من ذلك تماماً فهو ما يُحسب ضد البرنامج برمته، من حيث الفكرة والإعداد والإخراج بعد حذف فقرة (التقديم) طبعاً!. كما انَّ هذا الاسلوب الإخراجي لا يُقدّمُ ما يميزه على نَحوٍ مُبتَكرٍ أو جديد ولا يفصحُ عن مستوى إخراجي متميز بل تكشف هذه الطريقة الإخراجية الكسولة عن نقص واضحٍ ومكشوفٍ ومُشوَّهٍ في هيكلية البرنامج بشكل عام.