الحرامي والدولار

الصفحة الاخيرة 2021/04/03
...

حسن العاني 
من بين احفادي الثمانية، استطاع (عبدالله) أن يشد انتباهي اليه، فقد كانت تصرفاته واحاديثه تنم عن ذكاء عالٍ، ولأنني تعلقت به مثلما تعلق بي، كان عليّ أن ادفع ثمن هذا التعلق واروي له حكاية قبل النوم، لا يكتفي بسماعها، ولا يغمض له جفن، اذا لم يمطرني بوابل من الأسئلة الغريبة كان بعضها يحرجني فأتهرب منها او أتحايل في الرد، ولعله امر طبيعي أن اعاني صعوبة بالغة في توفير هذا الكم الهائل من الحكايات التي ارويها كل ليلة .
أذكر انني رويت له حكاية قديمة، مفادها أن احد التلاميذ تشاجر مع زميل له في المدرسة، فعيره بوالده قائلاً [اسكت ابن الحرامي]، وحين عاد التلميذ الى البيت اخبر والده بالشتيمة التي سمعها من زميله، وسأله ان كانت التهمة صحيحة؟ فما كان من الاب الا أن طبطب على ظهر ولده، وطلب منه احضار قلم وورقة بيضاء وقال له: [اكتبْ كلمة حرامي]، ونفذ الولد طلب ابيه الذي سأل ابنه [ماذا ترى على الورقة ] فاجابه [أرى كلمة حرامي]، عندها اخرج الرجل محفظته من جيبه واستل منها عملة نقدية من فئة (100دولار) ووضعها فوق الكلمة، وسأل ولده [هل ترى الحرامي الان؟!]، رد عليه [ لا ]، فسأله [ماذا ترى ؟] اجابه [ أرى 100 دولار] وسأله [ اين الحرامي ] فرد عليه [ اختفى ]، ضحك التلميذ سعادة واحتضن والده، ومن يومها ما عاد يصغي او يهتم او يبالي لشتائم زملائه!.
ما كدت انتهي من الحكاية حتى سألني وفي عينيه غضب وانفعال [ولكن ماذا عن الشرف والنزاهة والأمانة؟] قلت له [ تراجعت جميعها واختفت تحت الدولار !]، يبدو ان اجابتي لم تقنعه ولم تعجبه، فانهال علي بأسئلة لا اول لها ولا اخر، بعضها جعلني أخاف عليه وعلى نفسي، وبعضها لا تصلح للنشر وبعضها لا امتلك الرد عليها، ولهذا قمت بحركة تمثيلية مدعياً بأن صداعاً شديداً داهمني فجأة، وطلبت منه الذهاب الى سريره وتركي اخلد الى النوم، ادرك حيلتي وقال لي وهو يبتسم ابتسامة خبيثة: «جدو اني اعرف كلش زين ما بيك شي، وجوابك غلط والحرامي يظل حرامي لو يملك مليون دولار، بس روح نام نومة العوافي»، جيل ملعون لا تنطلي عليه حتى اكاذيب الكبار!.