«مزدوجو الجنسية».. قانون مُغيّب في أدراج البرلمان

العراق 2019/02/09
...

بغداد / هدى العزاوي / أحمد محمد
رغم أن الدستور العراقي أعطى الصلاحية لمجلس النواب لتشريع قانون ينظم آلية سحب الجنسيات المكتسبة؛ إلا أنه لم يقدم على تشريع قانون لتنفيذ هذه المادة الدستورية التي تنص على منع مزدوجي الجنسية من تسنم مناصب سيادية وأمنية رفعية لتعارضها مع آراء بعض أعضاء لجنة كتابة الدستور الذين يتمتعون بجنسية أخرى غير الجنسية العراقية، ولكي لا يشكل ذلك عائقاً مع رغباتهم بالاحتفاظ بالجنسية المكتسبة بادروا في الشطر الأخير للمادة 18 بإضافة (على أن ينظم ذلك بقانون) ليبقى مركوناً دون تطبيق على رفوف مجلس النواب.
وتقول عضو اللجنة القانونية النائب عالية نصيف في تصريح خاص لـ«الصباح»: إن «المادة 18 الفقرة الرابعة من الدستور العراقي كانت واضحة بعدم تسلم من يمتلك
أكثر من جنسية منصباً سيادياً عالياً على أن يشرع ذلك بقانون، لذا عندما أردنا أن نشرع ذلك وقفنا أمام عدة تساؤلات أولها ماهو المنصب السيادي المترتب عليـه تنفــيذ
القـانـون، وهل  يتعلق  المنصب  السيادي  بالدرجات العسكرية أو بمجلس النواب أو الرئاسات الثلاث، لتكن هــذه نـقطة الخلاف بين القوى السياسـية كـون أغلبهم جاء مـن خارج العراق ويمـتلكون أكثـر من جنسية، بالتـالي سيزاحون من العــملــية برمـتها في حال تشـريعه، ليـبقى هذـا القانـون فـي أدراج اللــجنة الـقـانونـية دون اتـخـاذ إجـراءات حـاســمـة بـشـأنـه».
وتوضح نصيف، أن «الكثير من المسؤولين أعلنوا عبر الوسائل الاعلامية تنازلهم عن الجنسية وهم في الحقيقة لم يتنازلوا بطريقة قانونية يترتب عليها فعلاً التنازل
عن الجنسية بعيداً عن الترويج الاعلامي بالتنازل التي تتطلب تقديم طلب بموافقة وزارتي الداخلية والخارجية لإتمام التنازل بشكل صحيح، وهذا ما قام به فعلاً رئيس الجمهورية (برهم صالح) الذي اتخذ الإجراءات القانونية المتعلقة بالتنازل عن جنسيته الأخرى».
وتؤكد عضو اللجنة القانونية، أن «عدم تشريع القانون سيبطل من الحقوق المتعلقة
بمحاسبة الأشخاص المتهمين بالفساد في العراق كما حدث في بعض القضايا عندما رفضت دول الجنسية المكتسبة محاسبتهم في العراق لأنهم من مواطنيها ويحملون الجنسية التابعة لها، بالتالي أجد أن لهذا
 القانون محاذير كبيرة جداً في حالة عدم تطبيقه».
مخالفات دستورية
وأشار النائب عن ائتلاف دولة القانون وناطقها الرسمي بهاء الدين النوري في تصريح خاص لـ»الصباح»، الى أن ائتلافه «ضد تسلم أي شخص يمتلك الجنسيتين منصبا سواء كان بدرجة مدير عام أو وزير أو نائب، وعلى الكتل السياسية تطبيق ما جاء في الدستور من فقرات تتعلق بمنع مزدوجي الجنسية من تسنم مناصب سيادية رفيعة».
ويضيف النوري، أن «من سلبيات ازدواجية الجنسية لدى تسنم السياسيين المناصب السيادية؛ هو التلكؤ الوظيفي وعدم تأديته بالشكل الصحيح كون السياسي الذي يحمل الجنسية المكتسبة لديه بلد آخر يستطيع اللجوء إليه إذا ما قام بعملية فساد داخل العراق، بالتالي تصعب محاكمته والمطالبة به، والدليل على ذلك تهريب مليارات الدولارات وهروب العديد من المسؤولين المتهمين بدعاوى فساد لم تتم محاسبتهم الى الآن بسبب حماية البلد الذي ينتمون إليه بجنسياتهم». 
ويؤكد النوري، أنه «إذا كانت لدى الحكومة النية في القضاء على الفساد، فعلى السيد رئيس الوزراء (عادل عبد المهدي) أخذ موضوع تشريع قانون مزدوجي الجنسية بنظر الاعتبار وتنظيم آلية لسحب الجنسيات المكتسبة التي تعد مخالفة أصلاً للدستور».
 
مناصب سيادية
من جانبه، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النائب عباس السيد صروط، أن «هناك الكثير من الشخصيات السياسية التي مازالت متمسكة بالجنسية المكتسبة ولم تتخل عنها لأغراض تبدو واضحة؛ خاصة بما يتعلق بملفات الفساد التي أثبتت أن للجنسية الثانية دوراً كبيراً بها وتحديداً بما يتعلق بجلبهم الى العراق ومحاكمتهم قانونياً».
ويؤكد النائب في تصريح لـ»الصباح»، أن «ممتلك الجنسية المكتسبة سيؤثر بشكل أو بآخر في منصبه السياسي وولائه، وإلا فلماذا يتمسك بالجنسية الأخرى التي هي عامل من عوامل الفساد»، ويضيف «نعتقد أن تشريع القانون ومنع مزدوجي الجنسية من تسنم مناصب سيادية به نوع من العدالة حتى يتحمل معاناة الشعب ويعيش آلامه وبذلك  يستطيع إن تبوأ أي منصب سيادي في العراق تحقيق مطالب شريحة عاش معاناتها بالتفصيل».
 
رؤية قانونية
من الناحية القانونية، يقول الخبير علي التميمي في تصريح خاص لـ»الصباح»: إن «الدستور العراقي أجاز تعدد الجنسيات للمواطنين العراقيين بشرط التخلي عن جنسياتهم المكتسبة في حال تسنمهم منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً وهذا ما نصت عليه المادة 18 من الدستور، كما نص على ذلك قانون الجنسية العراقية رقم 6 لعام 2006 ومنع مزدوجي الجنسية من تولي مناصب سيادية أو أمنية”، لافتاً إلى أنه “جرى رفع موضوع تولي بعض المسؤولين المزدوجي الجنسية مناصب سيادية وأمنية رفيعة في الحكومة العراقية الى المحكمة الاتحادية التي حولّت الموضوع إلى مجلس النواب لتشريع قانون من أجل تنفيذ هذه المادة من الدستور، ومنع مزدوجي الجنسية من تولي أي مناصب تتعارض مع ما جاء ضمن فقرات الدستور العراقي”. 
ويوضح التميمي، “يحاكم حاملو الجنسية المكتسبة من المسؤولين في ما لو ثبت تورطهم بدعاوى وقضايا فساد وفق ما يسمى 
بـ (الاختصاص المكاني)، ويصعب على العراق المطالبة بهم عن طريق الانتربول الدولي ومحاكمتهم في المحاكم العراقية، كون الدولة التي يحملون جنسيتها ترفض تسليمهم، وهذا ماترتب عليه تهريب الكثير من الأموال خارج العراق”. مشيراً الى أن “العراق انضم في عام 2007 الى اتفاقية 2003 في الامم المتحدة لاسترداد الاموال المهربة، ويستطيع العراق من خلالها استرجاع الاموال المهربة وتسلم الاشخاص الذين أثبت القضاء تورطهم بقضايا فساد لاتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بحقهم داخل العراق”.
 
تعارض سياسي 
الكاتب والمحلل السياسي عباس العرداوي، يقول: إن «الدستور العراقي لم يفصل قضية مزدوجي الجنسية وأحاله على تشريعات جانبية تفصيلية من حيث طبيعة المناصب وآليات أخرى، لتتمرد بعض القوى السياسية لتعارض المادة الدستورية مع مصالحهم الشخصية، خاصة ان أغلبهم يمتلك الجنسية المكتسبة أو ممن يطمحون الى اكتساب أخرى ليكون ذلك البلد محطة لحماية المفسدين، لذا تجاهلت تلك القوى القانون ولم تعمل على إنضاجه خلال الدورات البرلمانية المختلفة».
ويضيف العرداوي في تصريحه لـ «الصباح»، أنه «من الناحية العملية؛ جرى تأشير عدد كبير من الفاسدين والمطلوبين للقضاء العراقي لاذوا بسفارات الدول التي يمتلكون جنسيتها حين تم كشفهم، ومنهم على سبيل المثال وزير الكهرباء السابق أيهم السامرائي وعدد آخر من المطلوبين»، مؤكداً، أن « موضوع الازدواجية يؤثر وبشكل سلبي في مستوى الأداء ويجعل خيار الهروب والاستعانة بالدولة التي يملك جنسيتها موجوداً في ذهن المسؤول، وقد يدفعه لتفضيل مصلحة ذلك البلد والاساءة الى شرف المسؤولية والوظيفة». 
خطر محدق
بدوره، يقول المختص في الشأن السياسي محمد الفيصل في تصريح خاص لـ»الصباح»: إن «ازدواجية الجنسية لدى معظم الساسة خطر ناعم لم نستشعر ارتجاجاته، لكونه بعيداً عن اهتمامات المواطن البسيط المُطالِب بخدمات وحقوق لم ينل منها سوى وعود وخطابات إعلامية ترويجية لمشاريع وهمية فاسدة سرق أموالها من يحملون أكثر من جواز أو جنسية يلوذون بها بعد اكتشاف أمر فسادهم المالي والإداري المخالف للدستور والقانون، ولدينا أمثلة كثيرة بهذا الصدد عجز القضاء عن الوصول إليهم ومحاسبتهم أو إحالتهم على المحاكم لينالوا جزاءهم العادل بما إقترفت أيديهم». ويؤكد الفيصل، أن «التستّر أو التخندق خلف الجنسية الأجنبية الأخرى التي يحملها بعض اللصوص من سُرّاق المال العام؛ أتاح لهم تحويل مليارات من الدولارات لدول التجنّس التي يقيمون بها، وماكان لهذا السلوك أن يحدث لو تم تفعيل المواد الدستورية التي تمنع حامل الجنسبة المزدوجة من تسنّم أو شغل أي منصب تنفيذي أو رسمي في الدولة العراقية». لافتاً: «سيبقى الفساد على ماهو عليه اذا لم يكن هناك رادع قانوني ضاغط على مجلس النواب من أجل تفعيل قانون منع الأشخاص الذين مازال بعضهم يفخر بإزدواج الجنسية من القيام بمهام المسؤولية من درجة مدير عام وصعوداً أو التخلي عن الجنسية المُكتسبة والعيش في العراق كسائر العباد».وطالب الفيصل، «المرجعية الدينية ومنظمات المجتمع المدني والمنابر الإعلامية وجميع الناشطين، بأن يكون لهم دور مهمّ وصوت هادر للمطالبة بمنع وعزل من ينطبق عليه ما ذكر آنفاً من تولي أي منصب حكومي أو تشريعي على الأقل لحماية جزء من أموال العراق المنهوبة بطُرق وعناوين مختلفة».