الصدر وإسلامية المعرفة

الصفحة الاخيرة 2021/04/06
...

جواد علي كسار
الكتابُ هو القاسم المشترك بين شارع المتنبي ببغداد، وسوق «الحويش» في النجف الأشرف، وسور الأزبكية في القاهرة، فهذه المكانات الثلاثة تعج بالكتب من كلّ الصنوف والطبعات، ويرتادها أهل المعرفة، يمضون الساعات الطوال مع عبق الورق.
في إحدى جولاتي في مكتبات سور الأزبكية، عثرتُ على كتاب «إسلامية المعرفة: الخبرة والمسيرة»، فالتقطته من فوري من دون تردّد، فقد كنتُ بالفعل أخشى أن تمتدّ إليه يد غيري، وقد كانت نسخته وحيدة فريدة، جذبني إلى الكتاب موضوعه الذي اهتمُّ به، وكذلك مؤلفه الباحث الرصين الراحل جمال الدين عطية (1928 - 2017م) صاحب مشروع مجلة «المسلم المعاصر» ومؤسّسها، الذي أراد لها أن تنطلق في ممارسة فكرية تجديدية تقوم على مداخل ثلاثة، هي الاجتهاد، التنظير، وإسلامية المعرفة.
أرّخ للجيل الأول من رواد أسلمة المعرفة، ممن تركوا: «نماذج بارزة تستحق الوقوف عندها» مثل السنهوري ودرّاز وعبد القادر عودة ومن بعده محمد باقر الصدر، ثمّ سيد قطب ومالك بن نبي والمودودي، وقد خصّص لهذه الذوات مجتمعة فصلاً من (65) صفحة، وللصدر وحده عشر صفحات كاملة.
اجتمعت في التقديم للصدر لغة الاحترام والتقدير والعرض المنهجي، الذي أبداه عطية معتذراً عن استعراض أعمال الصدر كافة، مكتفياً منها بعملين: «يبرز اسم محمد باقر الصدر رحمه الله بين النماذج الناضجة المبكرة، وسنقتصر هنا على عرض عملين من أهمّ أعماله، وإن كانا لا يغنيان عن كتابات أخرى له، وكتابات عنه لمن أراد أن يدرس بعمق فكر هذا العالم الفاضل، والكتابان اللذان نتناولهما هنا، هما (اقتصادنا)، و(التفسير الموضوعي)» (إسلامية المعرفة، ص 101).
ركّز في عرض «اقتصادنا» على مرتكزات ثلاثة، هي: ما قبل المنهج، المنهج، تتمة المنهج، ليسجّل في خلاصة مكثفة ريادية هذا الكتاب: «يعتبر هذا الكتاب من الكتب المهمة في مجال بحثنا حول إسلامية المعرفة، فهو يُعتبر في ما أعلم، من الكتب الأولى التي وضعت منهجاً عميقاً لكيفية وضع النظرية الإسلامية في مجال العلوم الاجتماعية». ثمّ الأهمّ من ذلك قوله: «بل أظنّ أنه لم يتمّ تجاوز هذه الرؤية حتى اليوم»!