النقد الموسيقي والثقافة السمعيَّة

الصفحة الاخيرة 2021/04/06
...

سامر المشعل 
في السابق كان عدد المطربين محدودا، ففي عقد السبعينيات من القرن الماضي، كان لا يتجاوز عدد النجوم منهم عشرة مطربين، وكذلك الملحنون، ووسائل البث أيضا كانت محدودة ومقتصرة على التلفزيون عبر قناتين فقط واذاعة واحدة أو من خلال الكاسيت.
اما الآن فزادت وسائل البث السمعي والمرئي وأصبحت هناك عشرات القنوات الفضائية والمحلية التي تبث الاغاني على مدار اليوم، وكذلك وجود اليوتيوب والسوشيال ميديا والموبايل، بل وارغمت وسائل الاتصال الحديثة المستمع على سماع ما لا يريد سماعه من خلال “الاعلان الممول”، فبينما أنت مسترخي الاعصاب مع صوت فيروز صباحا، يقفز اليك صوت حسين الغزال باغنيته الجديدة، فيتعكر صفو مزاجك الى حين ظهور علامة التخطي من الاعلان الممول.
ومع ازدياد مساحة البث الغنائي وتعددها، زاد عدد المغنين الى حد يفوق قدرتنا على سماع هذا الكم الهائل من المغنين ونتاجاتهم، وما عاد المستمع الان يعرف أسماء أغلب المغنين في هذا العصر، على العكس من مستمعي ايام زمان الذين يعرفون عن ظهر قلب اسماء المطربين آنذاك.
ومع هذا التدفق الهائل باسماء المغنين ونتاجاتهم، فكل خميس وجمعة يظهر لنا عشرة مطربين جدد، وهناك ملحن يتباهى بأن له مئة وخمسين مغنيا وقع معهم عقد احتكار، وهذه احدى علامات ظهور الانحطاط الغنائي في العراق، فمتى يستطيع هذا الملحن “الفلتة “ التلحين لكل هؤلاء المغنين؟!.
يقابل ذلك غياب شبه تام لعملية النقد الغنائي والموسيقي  باستثناء بعض الكتاب الذين يؤشرون بلمحات ذكية بعض الظواهر في الساحة الغنائية على صفحاتهم الشخصية في الفيس بوك أو الصحف، لكنها لا تسد الحاجة الذوقية والمعرفية لدى عموم المستمعين، لاسيما ان أغلب المتصدين لتيارات الهبوط والانحدار الغنائي يركزون على الشعر وكلمات الاغنية، اما الجانب الموسيقي والتلحيني في الاغنية، فهذا يحتاج الى اختصاص وثقافة موسيقية عالية، وقدرة على تحليل البناء الغنائي تتوفر بالناقد الموسيقي، الذي يعد الفلتر الذي يفرز الشوائب والملوثات التي علقت بالاغاني، ويوضح مناطق الجمال والابداع من مناطق الضعف والنشاز في الساحة الغنائية.
لاسيما ان التقنيات الحديثة اسهمت وساعدت في ظهور الكثير من الطارئين والموهومين بأن لديهم موهبة، مثل تقنية “الاتوتيون” التي تعمل على تصحيح اخطاء المغني أثناء التسجيل، لذلك بعض المغنين عندما يغني في الحفلات تظهر نشازاته بشكل فاضح. 
وبما ان الحماسة على اوجها هذه الايام في تقديم برامج المواهب الغنائية، فأقترح أن يقدم برنامج يكون هدفه ثقافيا ذوقيا ومعرفيا، ويضم لجنة من ذوي الاختصاص بمجال الموسيقى والنقد، ليتعرف عامة الناس على طبيعة ما نسمعه وما فيه من محاسن ومساوئ، وهذا من شأنه أن يولد ثقافة موسيقية وذوقية لدى عموم الناس.