النص بين القراءة والتلقي

منصة 2021/04/10
...

  د. أسماء أديب
يشرع المتلقي عند قراءة النص من تتبع حيثيات ذلك النص وسبر أغواره، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمفهوم الجمالي الذي يبحث في أعماقه، إذ تعدُّ القراءة واحداً من أبرز وأهم النشاطات الفكريَّة للإنسان، فهي المساند المكمل لعملية تأليف النص والوقوف عند مراميه واستخراج جمالياته، ويمكن عدّها عملية تفاعل بين النص والقارئ ثم إنتاجه مرة ثانية، إذ تمثل نظرية التلقي - التي لا يختلف عليها أيّ من أقطاب النظريَّة منذ ظهورها في الثلاثينيات حتى الثمانينيات - “أفق توقع القارئ” في تعامله مع النص وهذا التوقع، تحدده ثقافة القارئ وتعليمه وقراءاته السابقة، أو تربيته الأدبيَّة والفنيَّة.
وتمثل عملية القراءة تفاعلاً وترابطاً بين النص والمتلقي وما يحمل هذا المتلقي من أفكار ومخزون ثقافي واجتماعي كما أطلق عليه ياوس بـ(أفق التوقع) والذي استعاره من الفلسفة كما عرّفه جان بقوله: شاشة التلقي المحددة من خلال توقعات القارئ وأحكامه المسبقة.
وهنا لا بُدَّ من وقفة مع أحكامه المسبقة، فهي مرتبطة بايديولوجية القارئ، فعملية كسر أفق التوقع هي عملية عقلية يقوم بها الفرد وفق مجموعة من العلاقات الذهنيَّة للوصول إلى عمق النص، فهي تقوم على التفاعل ما بين النص والقارئ وما يحدثه ذلك القارئ في عملية الإنتاج الثاني للنص، وعليه فإنَّ للعمل الأدبي قطبين: القطب الفني والقطب الجمالي، الأول هو نص المؤلف، والثاني هو التحقق الذي ينجزه القارئ عبر فجوات النص وما تتطلبه من القارئ من حيث ملؤها بما لديه من مرجعيات خارجيَّة ومن خلال هذه القراءة ينتج ما يسمى بكسر أفق التوقع الذي يمثل المقصديَّة الفنيَّة للانزياحات الأسلوبيَّة وهي رهينة بالملفوظ اللساني وبنية الأدب. فهي تفتح أمام القارئ الناقد باباً مشرعاً للتأويل والتفسير، وما إذا كان هذا النص منسجماً مع أفق توقع القارئ الثقافي أم لا، فالعمل الأدبي يضع القارئ أمام تجربة، في أنْ يتطابق أفق توقعه (القارئ) مع ذلك النص فيحصل التوافق والانسجام، وقد لا يحصل أي توافق أو انسجام، وعدم التوافق هذا يسميه ياوس بالمسافة الجماليَّة والذي ينتج عنه كسر أفق التوقع.
وإذا ما أردنا الوقوف عند بدايات هذا المصطلح نجد جادامر وهو يفسر لهيدجر فيقول: بأننا لا يمكن أنْ نقرأ النص إلّا بتوقعات معينة. أي بإسقاط مسبق. غير أنَّ علينا أنّ نراجع إسقاطاتنا المسبقة باستمرار ومن خلال ذلك يمكننا القول إنَّ عملية القراءة تتيح للقارئ إنتاج نصٍ جديدٍ عبر ما يحمله من خلفيات ومعارف مؤثثة بذاكرته يفرغها في النص ليسد فجواته ويزيل طلاسمه.