الإنتاج السينمائي في العراق و{فخ} الفيلم القصير

منصة 2021/04/11
...

  أ. د ماهر مجيد ابراهيم
 
تنشط في العديد من الدول على مستوى العالم مهرجات سينمائيَّة محليَّة وعالميَّة تختص بعرض الفيلم السينمائي القصير، وهذه المهرجات تكون محط أنظار ومتابعة العديد من المخرجين السينمائيين الشباب الذي يجدون في مثل هذه المهرجانات فسحة أمل كبيرة لتصدير نتاجاتهم الفيلميَّة، وتأكيد جدارتهم في صناعة الصورة، ووسيلة لترسيخ أسمائهم بكونهم صناع أفلام.
ولا يكاد يمر شهر على طوال السنة إلا ونعثر على مثل هذه المهرجانات السينمائيَّة، وقد وجد الشباب السينمائي العراقي ضالته في هذه المهرجانات، فأتقنوا عملية التعامل معها، سواء على مستوى الموضوعات القصصيَّة المعالجة، والتي غالباً ما تكون مرتبطة بنوعٍ معينٍ من المهرجانات أو على مستوى تأكيد القدرة على التواصل الصوري وإيصال النتاج السينمائي العراقي لعتبة هذه المهرجانات، ومن ثم الفوز بإحدى جوائزها التي تكون ذات صفة رمزيَّة أو اعتباريَّة أكثر من كونها ماديَّة.
 
جدوى صناعة الفيلم
ما أريد التحدث به لا يرتبط بجدوى هذه المهرجانات أو نجاحها وفشلها، أو الجهات الداعمة وغيرها من المعلومات التي يمكن تبويبها تجاه كل مهرجان سينمائي، ولكنَّ حديثي يرتبطُ بطرح مجموعة أسئلة يمكن الإجابة عنها بخصوص صناعة الفيلم الروائي القصير.
من الأجدر التساؤل بشكلٍ مباشرٍ عن جدوى صناعة الفيلم الروائي القصير؟ وتأثيره في ترسيخ تقاليد سينمائيَّة، أو تدريب وتهيئة بنى تحتيَّة بشريَّة تتقنُ التعامل مع العناصر اللغويَّة الصوريَّة والتقنيات الكلاسيكيَّة والرقميَّة؟ أو حث رأس المال العراقي والمؤسسات الحكوميَّة ذات الصلة لبناء الاستوديوهات بما تحتويه من ضرورات لبناء صناعة سينمائيَّة راسخة.
وربما أنَّ السؤال الأكثر إثارة هو سبب فوز أفلامنا القصيرة في مهرجانات تنظم في دول أوروبيَّة أو حتى في أميركا؟ وهل استطاع الفيلم الروائي القصير العراقي طرق أبواب العالميَّة وأصبح رقماً صعباً دائم الإبداع والحضور في هذا المهرجانات؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات يجب فهم الفلسفة الأساس التي نهض عليها فن الفيلم، الكلمة الأكثر مباشرة ترتبط بالتسلية التي تأتي من الصناعة والفن، وكذلك العائدات الماديَّة، بكون الصورة صناعة بحاجة الى ديمومة مادية لاستمراريتها، إلا أنَّ الصورة السينمائيَّة لم تقف عند حدود التسلية وإنْ كانت حاضرة بشكلٍ جليٍ ومؤثر، لأنَّ الصورة أضحت سلاحاً ايديولوجياً، ووسيلة لتمرير الأفكار، بث المعلومات، والتأثير في الرأي العام.
نهض الفيلم الأميركي أو حتى الأوروبي ومنذ بداياته المبكرة على تحقيق معادلة الإنتاج وشباب التذاكر، وهذه المعادلة لا يمكن تفكيكها، أو إبعادها من تصورنا، فنجاح الفيلم يعني قدرته على جلب الأرباح، وجلب الأرباح، مكن شركات الإنتاج من تطوير وسائلها وبناء نظام نجوم وابتكار العديد من التقنيات التي تؤمن استمراريَّة جذب المتفرج لجني الأرباح، وهذه البديهيَّة أصبحت معياراً حقيقياً لتطور سينمات بعينها واندثار سينمات أخرى، وهذا المعيار هو من جعل السينما الأميركيَّة تمتلك السبق والتأثير والقدرة على توظيف الفيلم لبث الأفكار والنماذج التي تعتقده وتروج له صورياً، فضلاً عن الأرباح التي تعدُّ المحور الأساس في جوهر تفكير عمل شركات الإنتاج السينمائي.
هذه البديهيَّة تتناقض وتتعارض مع مفهوم الفيلم القصير، الذي يسعى الى التجريب أو تصوير حوادث بسيطة أو قصص قصيرة، بأساليب إخراجية متنوعة لا ترقى الى الاحتراف والموهبة، وهذا ما يكشف أيضا سبب أنَّ إنتاجية الفيلم القصير على مستوى شركات الإنتاج السينمائي العالميَّة أمرٌ غير واردٍ على مستوى الاحتراف أو حتى التقنيات الحديثة، وهنا نصل لمثابة أساسيَّة تجعل من إنتاجية الفيلم الروائي القصير مرتبطة حصراً بالهواة، أي الذي يسعون الى تحقيق شيء من أحلامهم وطموحهم في بناء الصورة، ولكنْ لا يعدُّ هو المهنة الأساس التي يكسبون منها الأموال، وهو ما يقودنا الى معلومة مهمة تخبرنا أنَّ صانعي الأفلام القصيرة على مستوى أميركا أو أوروبا هم من الهواة الذين يفتقدون الكثير من القدرات والمهارات على مستوى صناعة الصورة، فكل ما يقدمه الفيلم الروائي القصير هو متعة الإنجاز لا غير، بغض النظر عن المردود المادي أو حتى الخبرات. 
 
صناعة سينمائية راسخة
وعليه يمكن تحديد ملامح الانتاج السينمائي في تلك الدول المتطورة والتي تنهض على محورين، المحور الأساس هو وجود تقاليد صناعة سينمائيَّة راسخة، محترفة تسعى الى زيادة الخبرات وابتكار التقنيات للوصول الى جعل المتفرج يعيش حالة من الإبهار عند متابعته الفيلم السينمائي، ومن ثم الحصول على الأرباح، والمحور الهامشي، هو وجود مجموعة من الهواة ينتجون أفلاماً روائيَّة قصيرة غير ذات جدوى، برأسمال إنتاجي صغير وتقنيات بسيطة، ليكون النتاج فيلماً روائياً قصيراً لا وجود لقاعات سينمائيَّة تسعى لعرضه، فيكون التوجه الأساس لصناعة الفيلم الروائي القصير في المهرجانات السينمائية التخصصية، لا غير.
وهذا ما يجعل الفيلم الروائي القصير هو الاختيار الأقل تأثيراً في مستوى الإنتاج السينمائي الروائي المحترف، لأسبابٍ عديدة منها: عدم اعتماد هذا النوع من الافلام على بنى تحتية، أو حتى امتلاك وبناء تقاليد إنتاج حقيقيَّة أو صحيحة، نظام الإنتاج البسيط هذا لا يؤمن أي وسيلة أو تقنيَّة تجعل من صناعة الصورة تثير الدهشة أو تحقق فعل الانبهار، يضاف الى ذلك إنَّ بساطة الإنتاج تعني الافتقار الى الاستوديوهات أو تقنيين محترفين، بل لا تؤمن أيضاً تدريب وتأهيل كادر سينمائي يمكن أن يصل الى درجة الاحتراف.
وهذا ما ينطبق على إنتاج الأفلام القصيرة على مستوى العراق، وأيضاً المهرجات السينمائية التخصصية بهذا النوع من الأفلام، فلم نصل الى الآن لعتبة ممارسة مهمة الإنتاج السينمائي أو تقنيات صناعة الصورة السينمائيَّة المحترفة، وينقصنا الكثير جداً من الخبرات على مستوى الفنيين والتقنيين، فضلاً عن كتاب السيناريو وكذلك الممثلين، وهذه الحال ستستمر طويلاً إنْ لم ينتبه المختصون بصناعة الفن السينمائي على مستوى العراق لهذا الفخ المسمى الفيلم الروائي القصير.
 
تقاليد إنتاج حقيقيَّة
إقول إنَّ الفشل في محاولات صناعة فيلم روائي طويل لا يمثل نفياً كلياً بل تجربة ممتازة تعزز من قدرات الصانعين على الإفادة من الأخطاء في المحاولات اللاحقة.
ختاماً.. أرى أنَّ الاستمرار في صناعة الفيلم الروائي القصير يبقي العراق دون امتلاك أي تقاليد إنتاج سينمائية حقيقيَّة، ويبقي الساحة الفنية السينمائيَّة خالية بشكلٍ كاملٍ من أي تقنيين سينمائيين، أو كتاب سيناريو، أو حتى ممثلين، والمهم هو القيام بمحاولات جادة في صناعة عددٍ بسيط من الأفلام السينمائيَّة الروائيَّة الطويلة، لا سيما أنَّ الواقع العراقي غنيٌّ بالقصص والتفاصيل الدراميَّة التي يمكن من خلالها الوصول الى المتفرج وجذب انتباهه صوب النتاج السينمائي العراقي، وما أقصده إنتاج الفيلم الروائي الطويل لا غير.