الناشرون حائرون

الصفحة الاخيرة 2021/04/12
...

عبد الهادي مهودر
إقبال لافت على التأليف وكمٌ هائل من المعروض في سوق الكتاب وشارع المتنبي تحديداً، مقابل عمليات تزوير هائلة للكتب واعادة طبعها تجاوزا على حقوق المؤلفين والناشرين، ويمكنك اليوم الجلوس لوقت طويل في دار النشر أو (كازينو الناشر) واحتساء الشاي والحامض في ضيافته من دون أن يبيع كتاباً واحداً، في مهنة نخشى أن تلتحق بالمهن (اللي ما توكل خبز) إذا بقيت هكذا من دون غطاء وحماية قانونية، ومن الطبيعي في ظل خرق القوانين أن تتأثر جميع المهن ويجري السطو على الحقوق، لكن من هذه المهن ما يجب الدفاع عنها، لأنها تمثل الوجه الحضاري للبلد وعصارة فكر مثقفيه ونتاج كتّابه، وان خدش سمعتها في الخارج بات يمس سمعة وطن وشعب وليس سمعة الناشرين فقط، والناشر العراقي اليوم في وضع لا يحسد عليه بين الأعباء والالتزامات والتكاليف وبين الإحساس بفقدان الجدوى الاقتصادية من عمله، مع منافسة غير عادلة بين الملتزمين بالقانون والخارجين عنه من جماعات سرقة الكتاب وتزويره، واصدارات الناشرين الحديثة سرعان ما تجدها معروضة بسعر ألف دينار على رصيف (الألفية) الذي يلخص قصة التحدي الوجودي الذي يهدد هذه المهنة في مقتل ما لم تبادر السلطات لانقاذ ما يمكن انقاذه، والقضية غير متعلقة بالجدوى والحقوق فقط وانما بحماية المجتمع من المحتوى الخطير الذي يمس القيم والمعتقدات ويتسلل عبر سوق الكتاب كأي خرق أمني داخلي أو خارجي عبر الحدود . 
وإذا كان الإقبال على التأليف هو الحالة الصحية البارزة بما لها وما عليها، فالعراق الذي كان يقرأ بغزارة أصبح يؤلف ويطبع بغزارة، لكنه بات يزوّر بغزارة ايضا، وهي الحقيقة المرة والواضحة شواهدها للعيان والمستهدِفة لحركة النشر بأبعادها الاقتصادية والتجارية والثقافية، وعلى الرغم من كونها ظاهرة عربية لكن مستويات الانفلات متفاوتة وبعض الدول العربية فعّلت 
قوانين حماية الملكية الفكرية وشددت من العقوبات والإجراءات على الأرض، أما الجهود والمحاولات العراقية لمحاربة هذه الظاهرة فما زالت بحاجة إلى مواجهة عاجلة في التشريع والميدان، وحيرة الناشرين طالت أكثر مما يجب في غياب القانون وحضور هواة التزوير وخلاياهم الصاحية والرابحة في سوق الوراقين.