رحيل الأمين!

الصفحة الاخيرة 2021/04/13
...

جواد علي كسار
أميل الى أن أقرأ المنجز الفكري للسيد محمد حسن الأمين الذي رحل عنّا قبل يومين، عبر ما أسميه بمدرسة محمد مهدي شمس الدين؛ وهي مدرسة تقوم على مرتكزات ثلاثة، هي الاجتهاد، والتنظير والتأصيل، والتجديد.
الاجتهاد في هذه المدرسة هو استنفار للعقل واستحضاره بطاقته القصوى، والتنظير هو قدرة متميّزة في قوة الفكر وصياغة المناهج، أما التجديد فهو تعبير عن التواصل مع قضايا الحياة وحركة الإنسان في واقعه المعيش، بدلاً من اللواذ بالتأريخ والتهرّب إلى التراث والماضي.
أربعة عقود وأنا أتابع النشاط المعرفي للأمين الذي خطفه «كورونا» فجر الأحد الماضي، وقد كان يدهشني فيه هذه القدرة المتميّزة على المحاورة، فما أن يخرج من حوار حتى يدخل بآخر، يفعل ذلك بإصرار وحماس لكن من دون انفعال، وبعقل منهجي يتلمّس طريقه عبر الدليل، وكان رغم أفكاره المتحدية التي تدخل في صراع مع السائد والمألوف، يكره الصِدام ويميل إلى الوئام العملي، لأنه مهموم بحياة الناس وسلامتهم وكرامتهم.
عن بعض عناصر فكره استحضر من حوار قريب يعود إلى أشهر قليلة من وفاته، تركيزه على تنظيم العلاقة مع التراث حتى لا يتحوّل إلى عبء، ودعوته لنزع القداسة عنه، لأن: «التراث طبيعة بشرية وليست إلهية»، وهو تعبير عن: «كلّ المفاهيم والعلوم والمعارف، والفلسفات الفقهية والمواد الكلامية التي نتجت عن قراءة المسلمين للدين». وبذلك فالمقدّس والثابت هو الإسلام نفسه، وباب الفهم مفتوح للمسلمين في كلّ عصر، والعقل هو في طليعة الشروط التي تستطيع أن: "تؤدي مهمة القراءة المعاصرة للتراث".
وبشأن قضية الحكم فقد أكّد الأمين أهمية المنحى المقاصدي، والدور الرقابي للشعب على الحاكم، لأن العلاقة بين الطرفين ناشئة عن عقد مُلزِم، وقد اشتهر في أدبياته الفكرية مصطلح «شرعية السلطة» و«سلطة الشريعة» وانه مع شرعية السلطة المنتَخَبَة، بوصفها الخيار الأفضل الذي يمكن أن تحقق به المجتمعات العربية والمسلمة، حياةً كريمة منسجمة مع هويتها وثقافتها ومنظومتها القيمية.
أخيراً أردتُ لهذه الكلمات أن تكون إشارات إلى المرجعيات الفكرية الكبرى للأمين، كما تجلّت في أبرز كتبه: "الاجتماع العربي الإسلامي"، "نقد العلمنة والفكر الديني"، "الإسلام والديمقراطية" و"مساهمات في النقد العربي".